الأول من أيلول ٢٠٠٤، كان هناك من يعتقد أنّ الشعب اللبناني يخضع دائماً للاملاءات والتكيّف معها وأن التجارب الماضية تقول أنّه يمكن السيطرة على كل لبنان، وذلك من خلال إنتاج جماعة بيضاء جديدة وقتل الزعيم الذي يدافع عن حقوق الفئة اللبنانية السوداء والتي كانت يوماً ما بيضاء. وهذا ما حدث ولا يزال يتكرّر على الدوام دون تجديد او ابتكار. ولا يزال لبنان قابعاً في متاهات العام ٢٠٠٤، وذلك لأنّ الجماعة البيضاء الجديدة عينها لا تزال تتحكّم بمصير البلاد.
إنّ نظام الفصل العنصري في لبنان بين البيض والسود غير محدّد بشكل نهائي، كما كان الحال في أميركا مع مارتن لوثر كينغ الذي كان يدافع عن حقوق السود من ذوي الأصول الافريقية وتمّ اغتياله في العام ٦٨ بعد تجربة نضاليّة تعتبر من أهمّ التجارب الانسانية في التاريخ الحديث. أو كما كان الحال ايضاً مع نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا حيث كانت التجربة مختلفة عن اميركا لأن السود الأفارقة كانوا أكثريّة مطلقة على أرضهم الافريقية ويعانون من تسلّط الأقليّة البيضاء ونظام الفصل العنصري.
أمّا في لبنان فإنّ السود والبيض يتغيّرون مع تغيّر الدولة الخارجية الراعية او الحامية او المنتدبة او المحتلة. ويمكن ان نحدّد جماعة البيض على الشكل التالي، فهم الذين يسيطرون على السلطة ويتحكّمون بمؤسسات الدولة ومواردها. وعموم اللبنانيّين الباقين هم من الفئة السوداء ويعانون من الاضطهاد والعزل والاقصاء ومع اغتيال الزعماء المدافعين عن حقوق السود وهم كثر في تاريخ لبنان. وقد عرفت منهم كمال جنبلاط الذي اغتيل لأنّه دافع عن اللبنانيّين السود الرافضين للوصاية البيضاء الجديدة. وعرفت ايضاً موسى الصدر الذي أخفي لأنه كان يدافع عن الوطنية اللبنانية الأصيلة لدى السود من مناطق الحرمان. وعرفت ايضاً الكاردينال صفير الذي دافع عن السود في لبنان بعد اغتيال رؤساء الجمهوريّات وتسخيف المقامات وتسويد الوجوه التي كانت بيضاء. وعرفت رفيق الحريري الذي اغتيل لأنّه علّم السود من كل لبنان وساعدهم على الدخول الى الوزارة والإدارة والمؤسسات.
المضحك المبكي هو ان كل اللبنانيّين كانوا يوماً ما من اصحاب الوجوه البيضاء، وأيّاماً أخرى كانت وجوههم سوداء، وهكذا دواليك. لا نزال نعيش في نظام العجز والتعطيل والاستحمار. إنّ الوعي العنصري يقوم على عدم اعتبار السود بشراً أسوياء، أي أنّهم دون البشر البيض، ولا يُعترَف بأنّهم قادرون على العلم والمعرفة. لذلك تصاب أنظمة الفصل العنصري بالعقم والتخلف العقلي لأنّها لا تعترف بأهل الخبرة والاختصاص وتكتفي بأصحاب الوجوه البيضاء من أبناء السلطة رغم الحمق والادعاء. وتلك هي المهزلة التي نعيشها منذ 12 عاماً مع الإعاقة والتعطيل والإمعان باحتقار عقول الناس في لبنان.
ان المسرحيات الأكثر جنوناً واحتقاراً للبنانيّين هي طاولات الحوار التي تعيد تصنيف اللبنانيّين بين جماعة بيضاء تجلس حول مائدة الحوار وهي موجودة أصلا في البرلمان والوزارة والرئاسات والمؤسسات وتلبي دائماً الدعوة للحوار من اجل تظهير وتسويق ما اتفقوا عليه في الظلام، والجماعة الأخرى من الفئة السوداء التي يتمّ احتقارها وهم الأطباء والمهندسين والمحامين والباحثين والاقتصاديين وأستاذة الجامعات والكتّاب والمفكّرين والمبدعين والنقابات والتجمعات والجمعيات ووو، فكلّ هؤلاء في لبنان هم من جماعة السود. والمحزن أنّه لا يوجد الآن في لبنان من يشبه هؤلاء الزعماء الذين لم يخافوا من الاغتيال وقادرين على الدفاع عن حقوق السود في لبنان.
والى ذلك الحين، سنبقى في جمهورية التمييز العنصري بين البيض والسود في لبنان.