مؤامرات دولية ورهانات محلية تكمن وراء كبوات لبنانية
جمهورية تستعيد وهجها وتاريخها والأصالة
وتغرق في حصص وزارية ومصالح شخصية!!
يقول الرئيس حسين الحسيني، الذي يوصف بأنه الأب الروحي لاتفاق الطائف، ان مسلمات العيش في المجتمع اللبناني الواحد، أربع مسلمات، أولها الحرية، وثانيها المساواة، وثالثها العيش الكريم ورابعها التكامل والتضامن، وذلك في اطار الدولة الواحدة وبالولاء التام للوطن الواحد.
ويرى الرئيس حسين الحسيني في مقدمة كتاب سيادة لبنان ان الانتماء الكلي وطنيا كان أم انسانيا، ليس سوى الحوار، شرط ان يكون نابعا من القلب، وان يكون هدفه اظهار الحق.
ومنذ عودته من السعودية، مع النواب الذين وضعوا اتفاق الطائف فانه يعتبر وثيقة الوفاق الوطني التي أصبحت الدستور الفعلي لدولة لبنان، المرجع الفعلي والأساسي للدستور اللبناني. وليس شرطا أساسيا ان يكون الطائف دستور لبنان منذ ولادته، بل هو شرط أساسي لقيامة لبنان من بين أنقاض الأحداث التي عاناها ولا يزال منذ العام ١٩٨٨، واذا كانت مناقشاته رفضا أو تأييدا، فانها بعد اقرارها في مجلس النواب، وتصويب ما فيها من هنات، أصبحت مرجعا دائما وأساسيا للبنان في مسرى النظام الديمقراطي.
ومن قدر لبنان، بعد عصور الوصاية والعزل السياسي وسني المنفى الى الخارج، الذي طال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والاعتقال الذي أصاب الدكتور سمير جعجع في وزارة الدفاع، واستشهاد الرئيس رفيق الحريري في قلب بيروت، ان يكون فيه حكم، يقوم على مناكفات سياسية تخرج حينا عن دستور الطائف، وتعود أحيانا الى فكرة تصويبه.
ولعل انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية بعد ملاحظاته على الطائف، ومحاولة انتخاب الدكتور سمير جعجع رئيسا للجمهورية، من قبل تيار المستقبل و١٤ آذار، فان وصول رئيس تيار التغيير والاصلاح الى الرئاسة الأولى، مرورا في عدة محطات أبرزها اصرار تيار ٨ آذار بزعامة حزب الله على انتخابه، بعد مقاطعة جلسات الانتخاب، واطلاق الحرية لرئيس البرلمان نبيه بري في معارضة اختياره، مقابل تأمين نصاب جلسة الانتخاب، واطلاق حرية كل فريق بعد ذلك، في تأليف الحكومة، وتراجع وليد جنبلاط عن ترشيحه للنائب هنري حلو واعطاء براءة ذمة للنائب سليمان فرنجيه، في موقفه من الحكومة الآتية، فان هذه المحطات تشكّل مظاهر الحياة السياسية في النظام الديمقراطي.
ولعل صعوبة تشكيل الحكومة، بعد تصويت ١١٢ نائبا لصالح الرئيس سعد الحريري، هي أيضا من أبرز المطالبات ب التصويب لعيوب تعتري الحياة الديمقراطية في نظام برلماني تنتصب في وجه أزمة التأليف الحكومي.
في أيام الفراغ برزت دعوات تستفظع استمرار الشغور في الموقع الأول للبلاد مدة سنتين ونصف السنة وبضعة أيام، وتبرز الحاجة الى وجود رئيس للجمهورية، بغية اعادة الحياة الى المؤسسات الرسمية.
وبعد انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية عادت بعض المناكفات السياسية الى الظهور، وبرزت مجددا منازعات بين الرئاسات، على طرائق الحكم ولا سيما بين الرؤساء الثلاثة، وليس أطرف من العودة الى العرض العسكري في مناسبة عيد الاستقلال بوجود أربعة رؤساء، بدلا من ثلاثة على المنصة، وهم: العماد عون، الرئيس نبيه بري، رئيس الحكومة المستقيل تمام سلام ورئيس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة سعد الحريري ومن ثم صعودهم الى القصر الجمهوري لاستقبال المهنئين بالاستقلال كما جرت العادة سابقا، فقد وقف الرؤساء الثلاثة الى جانب بعضهم، وكأن كل واحد منهم يشكّل دولة مستقلة الى أن هبطت نصيحة عليهم بأن يصافحوا المستقبلين ويتبادلوا أحيانا الابتسامات.
وهذا ما جعل رئيس حكومة من العصر السابق، يهمس في أذن أحد الرؤساء، ان يصافحوا الناس وان يبتسموا لهم، لا أن يظهروا مثل دول متنافرة أو مستقلة.
كان متعارفا عليه، ان تتألف الحكومة قبل عشيّة عيد الاستقلال أو بعده. إلاّ ان العيد قد مرّ مرور الكرام وسافر بعده رئيس الوزراء المكلف الى الخارج، كما سافر وزير الخارجية السابق الى البرازيل، مثلما سافر زميله في مساعي التأليف السيد نادر الحريري، وهو مستشار الرئيس سعد الحريري والحكومة لم تتألف، وقد لا تبصر النور قبل نهاية الشهر، أو نهاية السنة، لأن المحاصصة الوزارية أقوى من التفاهم الوزاري!
ما هي القصة، وما هي أسباب التأخير؟
والجواب، ان ثمة خلافا على الوزارات السيادية والحقائب الخدماتية وعلى الحقائب المدهنة. وفي المعلومات ان الرئيس بري يحمل صكّ براءة من الثنائي الشيعي والذي يتمسّك بأن تبقى وزارة المال للشيعة، لأن توقيع وزير المال واجب على معظم المرافق الوزارية، ثم تصلّب رئيس البرلمان، وتمسك تحديدا بأن يتولاها الوزير الحالي علي حسن خليل، مؤيدا من معظم الأطياف الشيعية.
وتمسك الرئيس بري بوزارة الأشغال العامة التي يتولاها الآن الوزير الشيعي السيد غازي زعيتر، والتي طالبت بها القوات اللبنانية.
ويقال ان الرئيس المكلّف سعد الحريري عرض على الرئيس بري بادئ الأمر وزارة الصحة وقبلها تمّ رفضها وأبدى اصراره على ان تبقى الأشغال للطائفة الشيعية ولحركة أمل بالذات.
في نهاية البازار الوزاري اتفق أركان الوزارات على ان تبقى الخارجية للوزير جبران باسيل والمالية لحسن خليل والداخلية للوزير السنّي نهاد المشنوق والدفاع للوزير الذي يسمّيه رئيس الجمهورية.
وتردد ان الوزير فرنجيه رفض حقيبة الداخلية، وان حزب القوات قبل بوزارة الاعلام على ان تسند للسيد ملحم الرياشي، على ان الوزير فرنجيه يتمسك باحدى ثلاث حقائب: الطاقة والمياه، الأشغال العامة والاتصالات. وان لجنبلاط وزارة الصحة أو أي حقيبة أخرى حرزانة على ان تسند نيابة رئاسة الوزارة لحزب القوات اللبنانية. من دون حقيبة وزارية.
وهذا ما أثار غضب الطائفة الأرثوذكسية التي تسند هذه الحقيبة عادة اليها. لكنها ترضى في حال تعيين وزير التربية الحالي الياس بوصعب وزيرا للدفاع ويسميه الرئيس العماد ميشال عون، وهو أرثوذكسي من ضهور الشوير.
وينقل عن رئيس الجمهورية قوله ان الحكومة الآتية ستكون لعدة أشهر، وان حكومة العهد الأولى ستبصر النور في الربيع المقبل، اذا لم يتأخّر صدورها أسابيع أو أشهرا.
كيف العلاج لهذه الأمراض؟
ويرى الرئيس الحسيني ان النظام اللبناني والمجتمع اللبناني هما نظام طائفي.
وان ضرورة الاعتراف بالآخر، وايجاد الشروط الفعلية لاقامة الحوار المستمر مع الآخر، ضرورة لبنانية أساسية.
الآن فان غرق الجمهورية وأركانها في وهاد الحزازات والخلافات، يهدّد بانهيار الوحدة، على الرغم من ان المسيرة، قد أنتجت وثيقة الوفاق التي أصبحت دستور لبنان.
جمهورية على المحكّ
والسؤال الأساسي كيف ينبغي للبنانيين صيانة وحدة الجمهورية، وبلورة مفاهيم تجسّد الوحدة في التنوّع؟
وهذه نقطة أساسية تروي مراحل ظهور الفضائح والأخطاء والعيوب التي قادت لبنان الى جمهوريات تتنازع على المصالح والمنافع.
في كتابه الجديد سيادة الاستقلال يروي العقيد عدنان شعبان، نائب مدير المخابرات اللبنانية، ورئيس جهاز الأمن القومي أبرز أسرار الأحداث في أيام الرؤساء بشارة الخوري، كميل شمعون، فؤاد شهاب، شارل حلو، سليمان فرنجيه، الياس سركيس، بشير الجميّل، أمين الجميّل، رنيه معوض، الياس الهراوي، اميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون.
ويورد عدنان شعبان، في جملة ما يورد، قصة سقوط بنك انترا ووقائع غير معروفة عن اتفاق القاهرة ودور الرئيس شارل حلو الذي اختاره الرئيس فؤاد شهاب لمتابعة ما حققه للبنان، وسرد أسرار خلافاته مع قادة الشعبة الثانية، وتفاقم الأزمة التي أطاحت ب أسطورة يوسف بيدس واعتصام الرئيس الشهيد رشيد كرامي بضعة أشهر من دون حلّ الأزمة الوزارية.
ويوضح شعبان ان انهيار بنك أنترا هو حصيلة مؤامرة دولية معطوفة على رهانات لبنانية، للقضاء على قلعة مصرفية جعلت البلاد تتربع على قمة مالية، كان سقوطها بداية الانهيار الكبير للبنان في حقبة الستينات.
ولعل الانعطاف في الدور الذي مثلته المقاومة الفلسطينية داخليا وخارجيا من الأسباب التي أودت بلبنان في وهاد الأزمات الصعبة، على صعد كثيرة في مقدمتها الأمجاد التي رافقت صعود لبنان اقتصاديا وسياسيا من الحضيض الى القمة.
ولعل الكاتب عدنان شعبان بما يملك من معلومات، أراد ان يقدّم للقارئ وثائق نادرة عن رحلة العماد اميل البستاني الى القاهرة، وأسباب تخلف رشيد كرامي عن ترؤس الوفد المفاوض مع ياسر عرفات، والانضباط الذي جعل الاتفاق الخطير سرّا من الأسرار التي ظلّت محجوبة عن رجالات السياسة في عصر حافل بالأسرار، وكثيف بالمفاجآت والأحداث.
وهذه معلومات لا تتوافر عادة إلاّ لرجال عملوا في المخابرات وما تنطوي عليه من أسرار.
لم يعمل شارل حلو على الأقل في تلك الفترة لدعم الشهابية، بل مال الى خصومها مثل العميد ريمون اده، خصوصا في العام ١٩٦٥ في الانتخابات الفرعية في جبيل وساند الحلف في انتخابات عام ١٩٦٨. ويروي انه قال له لا يستطيع ان يفهم ثقة الرئيس شهاب بالعميد كابي لحود، ويضيف بأن أخطاء غير مقصودة من ضباط الشعبة الثانية لم يتنبهوا الى ضرورة تبديل مسلكهم تبعا للظروف. لكن الرئيس شهاب، كما يقول حلو، ظلّ يدافع عنهم حتى اليوم الأخير من حياته.
تصاعد التوتر في لبنان، اعتبارا من شهر أيلول ١٩٦٩، مما جعل البعض يحذر من خطر اندلاع حرب أهلية في لبنان، وتوقع السفير الفرنسي بدوره امكان انتقال الوضع في لبنان، الى وضع جديد شبيه بالحالة الأردنية مما يؤدي الى تفاقم العلاقات بين الدولة اللبنانية والمقاومة. وبعدما كان الوضع يتعلّق في أيار ١٩٦٩ بفدائيين يتسللون عبر الحدود الجنوبية، بات الأمر يتعلق بانتزاع اعتراف باقامة دولة داخل الدولة.
خلال تشرين الأول دارت مواجهات مسلحة بين الجيش والفلسطينيين في كل أنحاء لبنان دفعت أطراف السلطة اللبنانية الى الموافقة على مضض على اتفاق يكفل حرية العمل الفدائي ويتعلق الأمر ب اتفاق القاهرة الذي لم يتم التوقيع عليه في العاصمة المصرية والذي تمّ التوقيع عليه في ٢ تشرين الثاني ١٩٦٩، لغرض تنظيم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، وقام الرئيس اللبناني شارل حلو بارسال وفد لبناني برئاسة قائد الجيش اميل البستاني للتفاوض مع ياسر عرفات تحت رعاية مصرية.
وعلى أي حال رأى السفير الفرنسي ان الجيش اللبناني أخذ يراقب عملية التنامي السريع للفلسطينيين، وهذا العجز أخذ يتنامى مع مرور الأيام، وفي المقابل استمرت عمليات المقاومة الفلسطينية ضد مواقع لبنانية، وتصاعد التوتر اعتبارا من شهر أيلول ١٩٦٩ مما مهّد لاندلاع أحداث واسعة، لأن القادة الفلسطينيين لا يريدون ذلك.
ويعرض عدنان شعبان مراحل الحكم، في إبّان رئاسة الرئيس الياس الهراوي. والعماد اميل لحود والعماد ميشال سليمان وصولا الى انتخاب العماد ميشال عون رئيسا. على قاعدة جمهورية واسعة، وبعد نفيه الى فرنسا، واقامته بين مرسيليا ولا هوت ميزون.
ويعقب الكاتب عدنان شعبان انه كان قد اختار قبل الاتفاق على الجنرال اثنين لطالما اعتبرهما مستحقين لقب رئيس الجمهورية لأسباب مختلفة: ريمون اده تحت مسمّى الرئيس المستحيل، وميشال عون تحت مسمّى رئيس المواجهات.
في كتابه سيادة الاستقلال، يورد عدنان شعبان ملاحق وأفكارا عن قضايا عاصرت الأحداث، من الاتفاق الثلاثي الى المعاهدات، لكنه يفرد للعميد ريمون اده أجزاء نابضة في الحياة، باعتباره حامل لقب ضمير لبنان لما تحلّى به من صفات ومواهب وتعلقه بأهداب الحياة السياسية والنظام الديمقراطي فيه.
وكان العميد من بين الشخصيات التي زارها موفد الرئيس دوايت ايزنهاور والذي استقبله العميد ب بلاد جبيل واصطحبه لتناول الغداء في بلدة الرويس قرب الناقورة مع السفير الأميركي في لبنان ماكلينتوك.
وفي طريق العودة قيل ان السيد مورفي سأل العميد: لماذا لا تتعاون مع عبدالناصر، فتغدو رئيسا للجمهورية.
وقبل ان يتسنى للعميد الاجابة على سؤال مورفي، حضرت من السفارة الأميركية سيارة تحمل للسفير برقية عاجلة. ولما فتحها السفير وقرأها، تناولها الموفد الأميركي الذي نقل محتواها الى العميد قائلا ان الأميركان اتفقوا مع مصر، على ان يكون الجنرال فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية. وخاطب العميد بقوله: أنت يا عميد اللبناني الأول الذي يعرف اسم رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد. وردّ ريمون اده فورا: وأنت يا سيّد مورفي ستكون أول انسان يعرف انني سأخوض الانتخابات ضد فؤاد شهاب.
وأجاب مورفي لكنك تعرف حق المعرفة ان حظوظك معدومة في الوصول الى الرئاسة، وقال له العميد لأنني أريد المحافظة على ماء وجه لبنان، بعدم السماح للعالم ان يقول ان الأميركيين فرضوا رئيسا للبنان وبالتزكية، واذا ما تيسّر لفؤاد شهاب الوصول الى سدّة الحكم ستعرفون مدى الضرر الذي سيعمّ لبنان نتيجة لحكم العسكر.