IMLebanon

جمهورية استعادت الرئاسة الأولى من المنفى

بلد يريد أبناؤه أن يتعافى والأزمات تحاصره بالصعوبات

جمهورية استعادت الرئاسة الأولى من المنفى

وحكومته في الثلاّجة بانتظار الفرج!!

كانت البلاد جمهورية من دون رئيس. انقضت سنتان ونصف السنة وبضعة أيام، وأصبحت في ظلّ رئيس مكلّف، لكن من دون حكومة.

هل هذا قدر لبنان، أم قدر الرئيس العماد ميشال عون، وقدر الرئيس سعد الحريري، الذي عاد الى الرئاسة الثالثة، مكلفا بالتشكيل الوزاري بأكثرية ١١٢ نائبا، صوّتوا له في أثناء الاستشارات الملزمة.

أم هو قدر جمهورية تتألف من رئيس للجمهورية، ورئيس لمجلس النواب ومن رئيس لمجلس الوزراء، وكل منهم متّهم بأنه يريد سلطة سياسية هي أقرب الى التسلّط على سواه، على الرغم من ان لبنان جمهورية ديمقراطية لا أوتوقراطية.

ثمة مفارقات في مؤسسات النظام: تنتهي عادة ولاية رئيس الجمهورية، ويبقى اللبنانيون أعواما من دون انتخاب رئيس.

وثمة رئيس مجلس نواب، تمضي سنوات أحيانا، ولا يلتئم في جلسة جماعية لاقرار الموازنة العامة، ويصبح مقر الرئاسة الثانية في عين التينة مجلسا نيابيا مصغرا، بوجود المجلس النيابي في ساحة النجمة، الذي أضحى مكانا تلتئم فيه اللجان النيابية لا الجلسات البرلمانية.

كما أن رئيس الحكومة المكلف، يمضي أكثر من عام، ولا يستطيع التأليف والتشكيل، لأن لكل من رئيس المجلس ورؤساء الكتل النيابية الحق في اختيار الحقائب الوزارية.

وهل في النظام الديمقراطي وزارات سيادية وأخرى خدماتية، والنائب الذي لا يطلع له حقائب سيادية أو خدماتية، يُعطى ما تبقى له من وزارات عادية.

قبل سنوات كان الرئيس سعد الحريري، على مرمى أمتار من البيت الأبيض الأميركي لمقابلة الرئيس باراك أوباما، لكن وزيرا من حكومته انتقل من ضفّة الحكم الى ضفّة المعارضة، واستقال من الوزارة.

وهكذا عاد الرئيس الحريري الى لبنان نائبا، وأصبح الوزير المستقيل في صفوف المعارضة، ونال بعد ذلك، رئاسة الجامعة اللبنانية.

أما الآن فانه بعد مغادرة البلد سنوات، يعود زعيما أوحد، وقويا، ولا أحد يقارعه على قيادة الطائفة الاسلامية السنية، أو ينافسه عليها، ولا يستطيع التأليف لأن مشكلته الحقائب المدهنة كما كان يسمّيها الأخوان رحباني. وهل في شريعة النظام الديمقراطي ان يشترط الرئيس بري، بوصفه زعيما سياسيا ان ينال حصته ويطالب بحصة وازنة في الحقائب لحلفائه.

صحيح، انه منذ عصر الرئيس سليمان فرنجيه في السبعينيات، وجد مع رئيس الحكومة صائب سلام، ان الطائفة الشيعية الكريمة حرمها النظام من التوقيع على المراسيم الوزارية فأعطيت وزارة المال للوزير الشيعي يومئذ المرحوم علي الخليل، إلا ان هذه الوزارة تداولها وزراء من الطوائف المحمدية وفي طليعتهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والوزير فؤاد السنيورة بعد ذلك، والوزير الماروني جورج قرم في عصر الرئيس اميل لحود، بعد عودة رئاسة الحكومة الى الرئيس سليم الحص وغيرهم.

إلاّ أن للصراع السياسي وجها جديدا، ذلك ان الرئيس بري يريد الاحتفاظ للوزير غازي زعيتر بوزارة الأشغال، ويؤيد طلب النائب سليمان فرنجيه بالحصول على وزارة الطاقة أو وزارة الأشغال العامة، والعقبة مثلثة: الطاقة يريدها وزير الخارجية جبران باسيل لأحد أصدقائه، والأشغال لا يتخلّى عنها الرئيس بري، ويسعى لتعود الى الوزير زعيتر.

والمشكلة، كيف يعود وزراء الى وزاراتهم، ويُحرم الآخرون من هذا الحق.

كانت الطائفة السنية الكريمة تتمسّك بوزارة التربية الوطنية، إلاّ أن النائب فرنجيه عرضت عليه، ورفضها، ثم عرضت عليه وزارة الصحة العامة، وهي الوزارة التي نجح في جعلها حقيبة انسانية، لكل انسان في لبنان، قبل ان تعهد اليه وزارة الداخلية في أيام حكومة الرئيس سليم الحص، بعد ابعاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ويقال الآن ان النائب سليمان فرنجيه يعرقل تأليف حكومة الرئيس سعد الحريري، ليس لأن رئيس البرلمان صبّ أصوات كتلته في معركة رئاسة الجمهورية الى جانبه، بوضع أوراق بيض في صندوقة الاقتراع فقط، بل لأنه أثبت جدارة نيابية ووزارية، وكان نائبا لكل الناس ووزيرا لكل الناس.

ويقول نائب في تكتل المستقبل ان من حق النائب فرنجيه ان يطلب ما يريد، ولكن، لماذا لا يتخلّى له الرئيس بري عن حقيبة الأشغال، ويتمسك بابقائها في حوزة الوزير غازي زعيتر.

حرب الثنائيات

ويقال إن من أسباب تعثّر تشكيل الحكومة، ظهور أزمة سياسية اسمها أزمة الثنائيات، ذلك ان حزب الله وقف طوال عامين ونصف عام الى جانب الرئيس العماد ميشال عون، لأنه أعطاه كلمة بتأييده، تاركا الحرية لحليفه في الثنائية الشيعية الرئيس نبيه بري، في تأييده للنائب فرنجيه في المعركة الرئاسية الأولى، لكنه، أي رئيس المجلس، حافظ كعادته على كلمته، بألا يعطّل المعركة الرئاسية، لا بل انه سهّل للعماد عون عبوره الى رئاسة لبنان، بأسلوب سهل، وإن وضع مع نواب كتلته أوراقا بيضاء في صندوقة الاقتراع. ويقول النائب ميشال موسى ان هذه من أرقى الممارسات الديمقراطية في النظام البرلماني.

وفي رأي النائب باسم الشاب ان بعض الغيارى على النظام البرلماني لا يعترفون بأن النظام الديمقراطي، لا يعني العزوف عن المواقف الشجاعة، والآراء المبدئية، في التعبير عن مواقفهم، لأن من مسؤوليات هذا النظام، ان يقول النائب آراءه على رؤوس الأشهاد سواء أكانت متفقة مع طروحاته، أو مناوئة لها، أحيانا، لأن من خصائص هذه المرحلة، الصراحة، والمجاهرة بكل ما يعتمل في الأذهان من آراء، لأن في ذلك الطريق الى الحقائق والمواقف العابرة للأذهان.

ويرى النائب باسم الشاب انه يلتقي خارج لبنان أحيانا نوابا من آراء متباينة، لكن كلا منهم لا يتخذ مواقف مغايرة لما يعبّر عنها، بل يرون في المصارحة السياسية عملا برلمانيا سليما ومعافى للنظام.

كان البيان الصادر عن المكتب الاعلامي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، برهانا جديدا، على انه يحرص على قيادة البلاد، في رحاب النزاهة والتجرّد، ليخرج الوطن مما فيه من فساد وتخلّف.

ولذلك، فقد دعا الى تشكيل حكومة وطنية، قادرة على ادارة الظروف الناجمة عن الأوضاع المأسوية التي عاشها لبنان.

وليس من شروط السياسي ان يتمسك بعد وصوله الى ما يحلم به من مواقع، ان يكرر المواقف التي عبّر عنها إبان نضاله السياسي، لأن لكل حالة الأسس التي تملي على صاحبها بالمواقف.

ولذلك، فقد حرص خطاب القسم على إن يقول ان الخلل السياسي المتمادي، والشغور المديد في سدّة الرئاسة، حملاني على التوجه من خلالكم الى الشعب اللبناني العظم الذي كان دوما على الموعد، والحصن المنيع الذي ألجأ اليه في التعهدات الكبرى والخيارات المصيرية، وأول خطوة نحو الاستقرار المنشود هي الاستقرار السياسي، وذلك لا يمكن أن يتأمن إلا باحترام الميثاق والدستور والقوانين من خلال الشراكة الوطنية التي هي جوهر نظامنا وفرادة كياننا. وفي هذا السياق تأتي ضرورة تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني، بكاملها من دون انتقائية أو استنسابية، وتطويرها وفقاً للحاجة من خلال توافق وطني. ذلك أنّها، في جزء منها، دستور، وفي جزء آخر، تعهدات وطنية ملزمة، ولا يمكن بالتالي أن يصار إلى تطبيقها بصورة مجتزأة، فينال منها الشحوب والوهن، ولا يستوي في ظلّها نظام أو حكم، ولا تنهض عنها شرعية لأي سلطة.

ويشدّد الرئيس عون على ان الاستقرار الاجتماعي، هو أساس تفكيره والطموحات، ذلك ان الاستقرار الاقتصادي هو الأساس لابعاد الأسباب الخارجية والبيئية عن الأوضاع المحلية.

ويحدّد العماد ميشال عون اراءه في الجمع بين عمل الدولة مع القطاعات الخاصة والعامة، لبناء دولة منتجة على أسس سليمة. وفي رأيه إن استثمار الموارد الطبيعية في مشاريعَ منتجة يؤسس لتكبير حجم اقتصاد حر قائم على المبادرة الفردية وعلى إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، وذلك من ضمن رؤية مالية هادفة ومتطورة.

كما أن الاستثمار في الموارد البشرية، وبشكل خاص في قطاع التربية والتعليم والمعرفة، يسهم في بناء أجيال يعول عليها لضمانة مستقبل لبنان الذي نطمح جميعاً اليه.

حيث أن غنى لبنان الأساسي هو في إنسانه المنتشر في كل بقاع العالم، هذا الإنسان الذي ندين له باستمرارية رسالة لبنان ونشرها، كما في إنسانه المقيم الذي من حقه أن يعيش في بيئة سياسية سليمة وفي بيئة طبيعية نظيفة.

أما اللامركزية الادارية، بما تجمع من مرونة ودينامية في تأمين حاجات الناس وخدماتهم، مع حفاظها على الخصوصية ضمن صيغة العيش الواحد، فيجب ان تكون محوراً اساسياً، ليس فقط تطبيقاً لوثيقة الوفاق الوطني أو انسجاماً مع طبيعة لبنان، بل أيضاً تماشياً مع تطور نظم الحكم في العالم.

إن هذا الإصلاح الاجتماعي – الاقتصادي، لا يمكن له أن ينجح إلا بإرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد وتعيين هيئة لمكافحته، وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها.

وفي رأي الرئيس سعد الحريري ان التأخر في التشكيل الحكومي ليس مبررا للقلق، لأن القناعة السياسية تمهّد الطريق الى القناعة اللبنانية الشاملة في بناء وطن سليم ومعافى.

ويعتقد الرئيس سعد الحريري ان التباين في بعض المواقف ليس مصيبة لبنان، ايمانا منه بأن التحجّر هو المصيبة الكبرى، في معظم الحقبات السياسية، وان ما ظهر من تباينات أخيرا في بعض المواقف ليس من العيوب السياسية اذا ما جرى استدراكه بمواقف عامة لا خاصة.

قرر العميد ريمون اده البقاء في فرنسا، لأسباب عديدة أبرزها ايمانه بأنه ليس متوافقا على العيش والتعايش مع عصر الميليشيات.

ويشدّد على انه رأى ان القضية اللبنانية أصبحت ذات بعد خارجي، خصوصا بعد الاجتياح الاسرائيلي للجنوب في العام ١٩٧٨، ومن جهة ثانية بعدما تبين له مع مقتل كمال جنبلاط ان لائحة الاغتيالات التي كانت في حوزته، يتم تنفيذها بدقّة، خصوصا انه تعرّض لمحاولتي اغتيال.

وعندما كان العميد يُسأل عما يفرحه من الأخبار عن لبنان، كان يجيب: انني أفرح ان حركة العمران عادت الى الوطن بعدما توقفت فيه أعمال التدمير. ولكن ما يزعجني هو عملية التشويه المستمرة لطبيعة لبنان الجميلة ومناظر جباله والشواطئ نتيجة البناء العشوائي والاعتداء على الأملاك العامة.

وعندما سئل مَن كان يوصف ب ضمير لبنان ما هي رسالتك الى اللبنانيين، راح يجيب بصراحته المعهودة: لا أستطيع ان أقول شيئا، لأنني لا أستطيع أن اعترف بأن كان عليّ حق.

أخيرا سئل عما يريد العميد ان يبقى في ذاكرته عنه؟

ورد: أريد ان يكتب على مدفني العبارة الآتية: هنا يرقد ريمون اده الذي كان على حق.

هل كان مصيبا في تشاؤمه أو في تفاؤله أحيانا.

حسبه انه كان يعتقد انه على حق في مزاعمه الصائبة أو العاطلة.

لانه استحق لقب ضمير لبنان.

كان الوزير والنائب السابق فيليب بولس وزيرا سابقا ونائبا دائما، إلاّ أن الرئيس فؤاد شهاب كان يقول له انه سياسي فريد من نوعه في لبنان، صدقا، وعراقة ونبلا، ولا يهمّه إلاّ لبنان.

وردّ نائب الكورة على رئيس الجمهورية بقوله انه يسير على خطاه، ذلك ان الشهابية هي مدرسة الصدق والصراحة.

وعقّب فؤاد شهاب على كلامه بقوله ان الوطن لا يبنى إلاّ على هذه المبادئ.

وعندما استدعي فيليب بولس ليكون محافظا لمدينة بيروت الممتازة، بعد تسليمه حقائب وزارية عديدة. وتردد في قبول المنصب، بادره رئيس الجمهورية بأننا نريد تعميم مبادئك السياسية على مختلف المواقع الادارية في البلاد.

رحل فيليب بولس، ورحلت معه المبادئ التي سعى الى زرعها في لبنان كافة، وفي الكورة خصوصا.