في تحديد لعلماء النفس حيال المصيبة، أنها تبدأ كبيرة عند حدوثها، ثم لا تلبث أن تتلاشى مع الوقت في ذاكرة النسيان.
مصيبة الفراغ الرئاسي عندنا، هكذا هبطت علينا مدوّية، ثم راح يتضاءل معها الوقْع حتى كاد المواطنون اللبنانيون ينسون أن هناك جمهورية بلا رئيس، ووطناً بلا دولة، ودولة يتربّع على عرشها المخلّع، أربعة وعشرون رئيساً عجائبياً يحكمون باسم رؤسائهم، كالخصيّ الذي يفاخر بذكورية سيده.
دولة بلا رئيس، هذا يعني سقوط منطق الدولة.
وجمهورية بلا رئيس ماروني، هذا يعني تهجيراً دستورياً وسياسياً ووطنياً للمسيحيين. وحكومة تعتمد مبدأ «الفيتو» خلافاً للمادة /65/ من الدستور هي أشبه بمجلس أمن دولي يتربع كأبي الـهَوْل في السرايا الحكومية.
الذين يربطون الإستحقاق الرئاسي اللبناني بحلّ سوري سعودي إيراني إقليمي أممي، أو بالسلاح الكيمائي والتخصيب النووي، هم مراوغون.
هم، أنفسهم في لبنان السياسي والمهجر الدبلوماسي أعلنوا وما زالوا يعلنون، أن هذا الإستحقاق يمكن تحقيقه بالكيمياء المارونية المتجانسة، أو بالتوافق اللبناني الداخلي.
هناك وسطاء يحاولون أن يعنِّسوا رئاسة الجمهورية لاستبعاد طلاّب يدها الوُسَماء. وهناك عملاء يطرحون رئاسة الجمهورية بالمزاد العلني على الطريقة الأميركية كأنما السلطة هي سلعة، والسلعة لا تطرح بالمزاد إلّا إذا افتقر أصحابها أو ارتحلوا الى العالم الآخر.
وهناك حلفاء يهيمون غراماً «بفخامة» الدكتور سمير جعجع، وحلفاء آخرون لا يرضون بديلاً من رئاسة العماد ميشال عون، وكلّهم يستنفر ألف مارد ومارد لإطلاقه من القمقم المسحور لتعطيل المرور على طريق القصر.
إذا كانت محاذير التفاهم وتجاذباته الضمنية بين القطبين المارونيين تتمحور حول معادلة زئبقية بين الرئاسة والزعامة، على أساس أن مَنْ يوافق على رئاسة الآخر تسقط زعامته، ومن يربح زعامة الكرسي يخسر زعامة الشارع.
ولأن وراء كلٍّ من الزعيمين حزباً، فإنّ أي خلل في إبرة الميزان الذهبي بين غالب ومغلوب، ستستمر معه المعادلة الزئبقية صراعاً وراثياً بين الحزبين، وإذْ ذاك ليس أمام القطبين المارونيين إلا الخروج من حلبة الصراع لإنقاذ الذات الثنائية والذات الحزبية والذات المارونية العامة من مكاره الدهر وغدر الزمان، ولهما في ذلك مديح التاريخ ونعمة المسيح الذي يقول:
«من أراد منكم أن يكون سيداً فليكنْ لكم خادماً».