تحبه، أو لا تحبه، لكنك تحترمه.
خمسة عشر عاماً على غيابه، ولبنان باقٍ، والجمهورية في حال الشغور.
إلا أن الجمهورية باقية.
وإن ظل الرئيس غائباً.
رحل العميد، ولم ترحل معه الجمهورية.
ثمة في البلاد كارثة.
والكارثة الكبرى أن الجمهورية، جمهورها مختلف، في فهم أبعادها، وإدراك مفاهيمها والحقائق.
٨ و١٤ آذار والمستقلون يبدو وكأنهم ينتظرون نصيحة دولية للاتفاق على رئيس يقود الجمهورية الى الاستقرار.
حتى وليد بك جاهر أمام محكمة لاهاي، بأنه ينتظر الوحي، ليعرف مَن سيقترع، ونواب كتلته للرجل الموحى به للرئاسة الأولى.
وهكذا، تبدو البلاد، وكأنها تنتظر الوحي.
وأن الوحي مجهول.
وإن كان الانتظار ممضاً، وصعباً.
قبل نحو ربع قرن، قصده حفنة من السياسيين الى منفاه الاختياري في باريس، وناشدوه العودة الي االبلاد، والترشح للرئاسة الأولى.
وراح العميد يعدد شروطه ليخوض غمار رئاسة لم تنضج ظروفها بعد.
طبعاً، كان في المقدمة الانسحاب الاسرائيلي.
… وثانياً الانكفاء الفلسطيني.
وثالثاً الانضباب العملي للميليشيات اللبنانية…
***
… وقف أحد الزوار، وبادر العميد: اذا ما كنت تنتظر تحقيق هذه الأشياء، فكل مواطن بيعمل رئيس جمهورية.
ونظر اليه العميد، وهو يردد، هل تريد أن أمضي ست سنوات، وأنا أتوسل الى الجميع أن يفرجوا عن لبنان؟!
***
كان أحد زوار العميد جالساً، لكنه خرج عن صمته وقال: معه حق العميد. إن جمهوريته ليست من هذا العالم.
عندما تنضج الظروف المؤاتية للخلاص من المهاترات والشروط، والشروط المضادة، تكون جمهورية العميد في انتظاره.
وتابع: هل سألتم أنفسكم، لماذا اضطر العميد الى مغادرة لبنان، للعيش في فندق باريسي؟
العميد رجل ديمقراطي.
ولا يريد أن يخلع ثيابه، ويصبح مجرد رجل أوتوقراطي.
إلا أن العميد خرج عن صمته، وبادرهم: عندما أشعر أن الوقت بات مؤاتياً لعودتي، أعود وأمتشق سلاح الرئاسة، وساعتئذٍ، أنجح أو أخفق، فهذا قدري ولا أتهرب منه.
كثيرون يقولون إن العميد عنيد.
ولكنّ، في عناده، إصراراً على رئاسة لا تضيع في الهواء الطلق.
معظم السياسيين متحرقون لوجود رئيس، ويخافون من سريان عادة سقيمة، مفادها الاعتياد على بلاد من دون رئيس جمهورية.
ربما، لكل من الفريقين رأيه.
إلا أن البلاد لا تنهض الا برأي، وبوجود رأي آخر.
وهنا تكمن عقدة الديمقراطية، في وطن يتوق أبناؤه الى حياة حرة، ومتحررة من كل قيد أو شرط، غير السلامة الوطنية والقرار الحر!!