سنتان ونصف السنة عمر الشغور الرئاسي. معه توقفت الحياة في الجناح الرئاسي في قصر بعبدا الذي يضمّ سكن الرئيس ومكتبه وقاعات 22 تشرين (الاستقلال) والسفراء و25 أيار ومجلس الوزراء، إضافة الى مكاتب المستشارين.
من المفترض أن يفتح هذا الجناح مع صعود الرئيس المنتخب الى القصر الجمهوري إيذاناً بعودة المسار الرئاسي الى حركته المعهودة، إذا صحت التوقعات بقرب انتخاب رئيس جديد للجمهورية في غضون الأيام المقبلة.
سيعود الصحافيون للتردد يومياً الى مكتب الإعلام ومعهم سيارات النقل المباشر لنقل مراسم وصول الرئيس المنتخب، وكبار القوم من المهنئين المحليين وغير المحليين، حيث تعود بعبدا محط الأنظار.
بعد انتخاب الرئيس وأداء القسم، سيكون القصر الجمهوري على موعد مع أول استحقاق، يتمثل بإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس لتأليف الحكومة، لأن الحكومة تعدّ مستقيلة فور انتخاب رئيس جمهورية وأدائه قسم اليمين على الدستور.
في محيط القصر، ورشة استعدادات بدأتها بلدية بعبدا، لا سيما في الطريق المؤدي الى القصر الجمهوري، من عملية تشذيب للأشجار على جانبي الطريق ورفع قوس النصر واللافتات المرحّبة والأعلام اللبنانية.
كما أن لواء الحرس الجمهوري الذي انتشر للمساعدة في مهامّ أمنية خارج نطاق القصر الجمهوري طيلة فترة الشغور، سيعود الى مهامّه في داخل القصر ومحيطه لحماية أمن الرئيس وعائلته وأماكن وجوده وانتقاله.
كل الاستعدادات قائمة في حرم القصر الجمهوري لاستقبال الرئيس الجديد، ونافورة المياه سترتفع من جديد إيذاناً بوجود الرئيس في مكتبه.
ومنذ بدء الشغور في سدّة الرئاسة الاولى، تعمل المديرية العامّة لرئاسة الجمهورية ضمن الأطر المؤسسية ووفق مبدأ استمرارية المرفق العام بكل ما هو مرتبط بالإدارة والعمل المؤسسي، وهذه المديرية التي شعرت باليتم على مدى سنتين ونصف السنة لعدم وجود رئيس جمهورية لكونها الذراع اليمنى للرئيس، سيرفع عنها هذا الشعور بعودة الأب المعنوي لها.
من هنا، عمدت المديرية العامة الى انتهاز الفرصة، بحيث أنجزت عملية تطوير إداري ومعلوماتي وفني، لأنها في ظل وجود رئيس جمهورية لا يتوفّر لها الوقت الكافي للقيام بورشة إدارية وتنظيمية كهذه.
ومنذ تعيينه مديراً عامّاً لرئاسة الجمهورية، أخذ الدكتور أنطوان شقير على عاتقه تسيير العمل في المديرية وفق نهج مؤسسي، وأن تكون المديرية مرتبطة بموقع الرئاسة لا بشخص الرئيس، فيستمر العمل المؤسسي ويعود لكل رئيس جمهورية أن يأتي بفريق عمله المكوّن من خبراء ومستشارين يتعاونون مع المدير العام ورؤساء الفروع التي يترأسها أيضاً مديرون عامّون بهدف تنفيذ توجهات رئيس الجمهورية.
يذكر أن المدير العام للرئاسة والمديرين العامّين رؤساء الفروع وجميع موظفي المديرية العامة يكونون عادة على اطلاع تفصيلي وآنيّ وشامل على جميع الملفات الرئاسية من النواحي الإدارية والسياسية والقطاعية والأمنية ـ الدفاعية بما فيها بنود جلسات مجلس النواب وجدول أعمال جلسات مجلس الوزراء لكون رئيس الجمهورية يترأس مجلس الوزراء ويوقّع المراسيم ويحيل القوانين على مجلس النواب ويصدر القوانين ويوقّعها، إضافة الى الملفات العربية والإقليمية والدولية التي يوكل رئيس الجمهورية فريق عمله الرئاسي بالاطلاع عليها ومتابعتها ووضع الملاحظات عليها.
هذا العمل المؤسسي دفع بالمديرية العامّة لإطلاق ورشة تطويرية مبنية في الأساس على إنشاء وتحديث وتطوير نظام المعلوماتية.
لذلك، فإن أبرز المشاريع التي عملت عليها المديرية العامّة للرئاسة هي: مكننة برنامج الموارد البشرية، وضع برنامج مخصص لإعداد الجردات السنوية على الموجودات، برنامج إدارة المحاسبة، البريد الداخلي، أعمال مجلس الوزراء، وضع برنامج معلوماتي خاص لحفظ المراسيم والقوانين (المراسيم منذ عام 1943 وبلغ عددها حتى نهاية ولاية الرئيس العماد ميشال سليمان (148698) والقوانين منذ عام 1926 وبلغ عددها أيضاً (5633) من ضمنها (1374) مرسوماً اشتراعياً)، إعادة تكوين وترميم الملفات الورقية الخاصة بهذه المراسيم والقوانين، إعادة ترميم وتجهيز القاعة الخاصة بالمحفوظات لا سيما لجهة مستوى الرطوبة والإنارة وتم تجهيز هذه الغرفة برفوف وخزائن خاصة بالأرشفة لتسهيل عملية تنظيم وإدارة المحفوظات وسهولة الوصول اليها عند الحاجة، كما تم وضع نظام كشف ومنع الحرائق للمحافظة على ذاكرة رئاسة الجمهورية في ما خصّ المراسيم والقوانين.
كما بوشر بإنجاز مشروع أرشيف الرؤساء السابقين للجمهورية، لكون الأحداث التي مرت على لبنان في السابق أطاحت جزءاً من أرشيف المديرية العامة، وهذا المشروع حيوي ومهم جداً لكونه يشكل جزءاً أساسياً من ذاكرة الجمهورية بكل مراحلها قبل الاستقلال وبعده.
أما على صعيد الحجر، فقد تم إنجاز كل عمليات الصيانة اللازمة وأطلقت خلال الشغور عملية تأهيل شاملة لا سيما في جناح الرئيس، لأن ذلك كان متعذراً مع وجود رئيس مقيم في القصر.
كل الملفات جاهزة لتوضع بتصرف الرئيس الجديد، ولم يحصل أي انقطاع لأن مدير عام الرئاسة يحضر كل جلسات مجلس الوزراء، حتى في حقبة الشغور القياسية الأولى من نوعها منذ عام 1943 حتى الآن.