ليس أمراً عادياً أن يصبح الجهل وقلّة الخبرة رأسمالاً في المعارك الانتخابية، وان كانت المناظرات تتركز على الخبرة السياسية والاقتصادية. وأين؟ في أميركا القوة الكونية العظمى والبلد الذي لا يستغنى عنه كما يقال. فما بدا ظاهرة عابرة صار حقيقة ثابتة: دونالد ترامب، رسمياً، مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة. وما جعل الثري الذي لا يتقن سوى فن الصفقة حسب عنوان كتاب له ولم يترشح لأي منصب من قبل يتفوّق على النخبة الجمهورية المحترفة، مع انه من خارجها، هو خيبة الأمل في أوساط الطبقة الوسطى البيضاء من الاستبلشمنت الفاسدة والخوف من المتغيرات الديموغرافية وخطر الارهاب.
ذلك ان الجمهوريين، كما تقول أستاذة الحكومة والمجتمع في هارفارد ثيدا سكوكبول، أخذوا بالنصيحة الكلاسيكية القائلة ان ركوب الوحش أفضل من تجاهله. وهم ركبوا الوحش الذي خلقوه على أمل ان ينفذ أجندتهم في البيت الأبيض ولا يستهلكهم. وترامب هو ابن المناخ الذي ولد فيه حزب الشاي ضد وصول رئيس أسود الى البيت الأبيض، ثم أخذ الحزب الجمهوري الى أقصى اليمين وأطلق مدّ الشعبوية. وفي رأي فرنسيس فوكوياما في مقال نشرته الفورين أفيرز عن معنى انتخابات ٢٠١٦، فان السؤال ليس لماذا صعدت الشعبوية بل لماذا تأخر صعودها.
وحسب الاحصاءات، فان ٦٠ في المئة من حملة ترامب اكاذيب مقابل ١٢ في المئة من حملة هيلاري كلينتون. لكن ذلك لم يؤثر على صعود ترامب. فالمعاناة من اللامساواة المتفاقمة في الدخل والمخاطر الأمنية جعلت الهوة واسعة بين النخبة والشعب. والتحديات الخارجية امام اميركا دفعت الى البلبلة بين الدعوات الى اميركا أولاً والمطالبة بالانسحاب من التزامات خارجية وبين الرغبات في استعادة القوة الاميركية والهيمنة. والسؤال – المفارقة في مقال فوكوياما هو: لماذا ذهبت الطبقة العاملة البيضاء في الجنوب الى الجمهوريين، مع انها المستفيدة الكبيرة من المشاريع التي حاربها الجمهوريون؟
الواقع ان الحزب الجمهوري خسر، ولو ربح ترامب الانتخابات الرئاسية. فالبرنامج الذي أقره الحزب ليس علاجاً لمشاكل اميركا الحقيقية. والسياسات التي وعد بها ترامب هي مجرد كتابة على الماء، وبعضها من النوع الهستيري مثل اغلاق اميركا امام المسلمين.
وقديماً قيل: مسكينة ارلنده كم هي قريبة من الله وبعيدة من اميركا. مسكينة المكسيك كم هي بعيدة من الله وقريبة من اميركا. اليوم يقال: مسكينة اميركا التي هي الأولى في الاقتصاد والجامعات والتكنولوجيا والعسكر والاسلحة والتي انحصر خيارها الرئاسي بين أحمق ومحتالة.
ومن واجبنا ان نقول: مسكين لبنان الذي عليه الانتظار الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وحروب سوريا والعراق واليمن لكي يصبح له رئيس.