يتتبّع الحزبان الرئيسيان في الولايات المتحدة الأميركية الجمهوري والديموقراطي نتائج العقوبات على «حزب الله»، ويحاولان استقصاء الواقع الحقيقي من دون مبالغة وفق تقارير تصل إلى واشنطن وتثير اهتمام الحزبين المتنافسين على رئاسة الجمهورية المقررة في 3 تشرين الثاني 2020.
يتّهم الديموقراطيون الرئيس الأميركي دونالد ترامب برسم صورة مبالغة لتهديدات إيران و«حزب الله»، واستخدامها كذريعة لإرسال جنود وأساطيل إلى الشرق الأوسط تمهيداً لشن حرب لا جدوى منها، كما حصل في العراق، فيما يؤكّد الجمهوريون انّ ايران مع حلفائها يستعدون لتوجيه ضربات عسكرية للمصالح الأميركية في منطقة الشرق الأوسط. والتجاذبات بين الديموقراطيين والجمهوريين وصلت إلى توصيف حالة «حزب الله» بعد العقوبات، إذ يعتبر الديموقراطيون أنّ ادارة ترامب غير كفوءة بل فشلت في ردع قوة «حزب الله» وإمكاناته. وتفيد معلوماتهم بأنّ «الحزب» نجح في تحقيق استقلاليّة مالية كبيرة عن ايران منذ أكثر من عقد، وبَنى ابتداء من عام 2006 امبراطورية في تجارة المخدرات في اميركا الجنوبية. وقد توقّعت قيادة «حزب الله» مُسبقاً أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على ايران ولاسيما على الموارد النفطيّة، لذلك عملت على تأمين موارد خاصة لتمويله اضافة إلى 700 مليون دولار يتلقونها سنوياً من ايران.
وتوضح التقارير التي ترد إلى الديموقراطيين أنّ أرباحاً مالية يجنيها «الحزب» من تجارة المخدرات تفوق ما تقدمّه له ايران في الأعوام الأخيرة، وقد بنى شبكة تهريب عالمية ضخمة تشمل اميركا الجنوبية وشمال افريقيا واوروبا والشرق الأوسط.
وتؤكّد تقارير الديموقراطيين أنّ «الحزب» يستخدم شركات تحويل الأموال وشراء السيارات وغيرها لتبييض الأموال في لبنان، وقد حددت وكالة مكافحة المخدرات الأميركية أرباحه من تهريب المخدرات بما لا يقلّ عن 200 مليون دولار شهرياً، وتمكّنت الوكالة من كشف ما حققه ذراع «الحزب» الخارجية من أرباح بين عامي 2008 و2016 وهو مليار دولار سنوياً من خلال تبييض الأموال وتجارة المخدرات والأسلحة.
في المقابل، يدافع الجمهوريون عن إجراءاتهم الصارمة ضد «الحزب»، وعلى الرغم من معرفتهم بمسارب التمويل الآتية من اميركا الجنوبية، يلفتون إلى أنّ ادارة ترامب لم تقصّر في مطاردة المهرّبين في أوكارهم، وأبرزها في فنزويلا والباراغواي والارجنتين والبرازيل وبوليفيا والاكوادور وبيرو وكولومبيا ونيكاراغوا وباناما. وتدرك الادارة الأميركية أنّ خطر «حزب الله» لا يزال كبيراً كرأس حربة عسكرية لإيران على الرغم من تقارير تزوّد ترامب بمعلومات عن أضرار كبيرة الحقت بـ«حزب الله» نتيجة العقوبات، أهمها: تراجع عدد مقاتليه في سوريا، وصَرف موظفين من تلفزيون «المنار»، وافتتاح صناديق التبرعات في مناطقه كافة يستعين بها الحزب حالياً وتعكس مدى الضائقة الماليّة التي يمرّ بها. واستقصاءات الجمهوريين كشفت أنه تم الاستغناء عن جميع العاملين في «الحزب» في عقود جزئيّة أو مرحليّة، وتم الاستغناء عن خدمات عدد من متفرّغيه في قطاعات مدنية. وأكدت المعلومات أنّ الموظفين المتفرغين فوجئوا بإلغاء العلاوات على رواتبهم، وسط تأكيد تجميد كل المكافآت والتحفيزات التي كانت تلحق بأساس الراتب عادة، لاسيما رواتب المتفرغين في قطاعات غير عسكرية.
مع ذلك، يعلم الجمهوريون انّ الحزب حافظ على البنية القتالية الأساسية عبر إعطائها الأولوية بالرواتب التي استمرت في شكل ثابت، أمّا التقارير التي تتحدث عن خفض لَحق بالرواتب بنسبة 20 بالمئة فليست مؤكدة، علماً أنّ رواتب المقاتلين المتفرغين في شكل دائم مرتفعة نسبياً عن الآخرين في شبكات «حزب الله» وقطاعاته المختلفة.
كما أشارت التقارير إلى أنّ الحزب ألغى عمل المئات ممّن كانوا يتطوعون للخدمة العسكرية لقاء مبالغ مالية محددة، واستعاض عنهم بعدد معيّن من الأشخاص على قاعدة التطوّع بلا رواتب في أكثر من منطقة لبنانية وفي سوريا، وذلك دعماً للمقاتلين المتفرغين، الذين لا يستطيع، وفق المصادر، أن يقتطع مبالغ كبيرة من رواتبهم، ولا خفض عددهم في المهمات التي يكلّفهم بها.
وتخلص هذه التقارير إلى سؤال أساسي: هل يواجه «حزب الله» فعلاً أزمة مالية؟ الجواب: أجل إنه يواجه أزمة مالية إلّا أنها ليست جديدة عليه، وقد مرّ في تاريخه بأزمات لا تقل ضراوة وقساوة، فماذا بعد؟