IMLebanon

طلب إخلاء سبيل من المعتقل الطائفي

لا نستطيع أن نعترض على الطائفية السياسية لأنّها مكوّن أصيل للهوية اللبنانية.. وخصوصاً أنّ السلطة في لبنان قائمة على أساس طائفي.. مما يجعل كلّ الطامحين إلى دور عام نيابي أو وزاري أو رئاسي أن يعبروا من بوابة الطائفية إلى المناصب الرفيعة في الدولة تمثيلاً وإدارة ..

إنّ المجتمع الطائفي في لبنان عميق الجذور ومتأصّل في كلّ تفاصيل الحياة العامة .. ويكاد اللبنانيون جميعاً ينتمون إلى طائفة واحدة وهي الطائفية السياسية .. ويتمتعون بوحدة ثقافية عميقة .. بدليل أنّ كلّ طائفة على حدة إرتكبت نفس الأخطاء وإن لم نقل نفس الجرائم بحقّ الوطن .. وفي الوقت عينه فإنّ كلّ طائفة في مكان وزمان ما ظُلِمتْ من الطوائف الأخرى.. ونستطيع أن نستدلّ على وحدة اللبنانيين من خلال  التّعامل مع الأزمة السورية .. إذ نجد أنّ من يدعم النظام يريد قتل الآخرين من الشعب السوري .. والأمر عينه من المؤيّدين للثّوار فإنّهم يريدون قتل أنصار النّظام .. وبذلك يكون كلّ اللبنانيين يعبّرون عن كرههم المدفون لكلّ السوريين بدون إستثناء .. وهذه نتيجة طبيعية للأداء السوري السلبي في لبنان على مدى عقود طوال .. ولو كان هناك من يريد خلاص سوريا كان عليه أن يمنع هذا الإقتتال البغيض لا أن يساهم فيه ..

عندما أتيت إلى السياسة قبل ما يزيد عن الأربعين عاماً.. كانت أبواب الطوائف مفتوحة للذين يريدون الخروج من نعيمها إلى تحديات العمل السياسي من خارج الطوائف.. وكانت الحافلات التي تقلّ هؤلاء المغادرين لطوائفهم كثيرة من أحزاب وطنية ويسارية ويمينية وقومية.. واستطاع كلّ الذين غادروا طوائفهم أن يجدوا مكاناً في تلك الأحزاب والتّجمعات.. بالإضافة إلى ظهور حركات إجتماعية عابرة للطوائف وتيارات فكرية وأدبية وغيرها من تشكيلات كانت تتطلّع إلى بناء الدولة والمجتمع من خارج مكوّنات السلطة الطائفية حكماً وقانوناً ..

لا نستطيع أن نعترض على الطائفية .. ولا نستطيع في الوقت عينه أن نبقى طائفيين .. وخصوصاً أنّ الطوائف إسترّدت كلّ أبنائها المغادرين في العقود الماضية وعلى مراحل مختلفة .. وتحديداً بعد المرحلة الأولى للنّزاع الأهلي إذ حدث فرز سكاني على أساس طائفي.. ثمّ ما بعد الدخول السوري وضرب الحركة الوطنية والذي ساهم إلى حدّ بعيد في خلق مكوّنات طائفية جديدة.. ثم مرحلة ما بعد الإحتلال الإسرائيلي والذي أعاد كلّ اللبنانيين إلى طوائفهم بعد أن خسر غير الطائفيين كلّ مواقعهم وأحلامهم .. والمرحلة الأخيرة كانت جريمة العصر باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتجربته الوطنية العابرة للطوائف ..

إنّ أزمة لبنان الآن ليست في الطائفية بل في عدم وجود أي أفق غير طائفي .. ولذلك نشهد المزيد من التّكونات داخل الطائفة الواحدة لأنّها السبيل الوحيد إلى السلطة والإدارة في لبنان.. ولا أعتقد أنّ الإصلاحيين الجدد في الطوائف يستطيعون تغيير أي شيء سوى المزيد من الإضطراب الطائفي .. لأنّ الطائفية السياسية في لبنان محكمة الإدارة ومن الصعب تغيير نهجها الوطني .. فهي تقوم بالحفاظ على المحاصصة ولا يمكن أن تكون غايتها الحفاظ على الوطن .. ولا تتسع لكلّ أبنائها ..

إنّ لبنان الآن بحاجة ماسة إلى نواة وطنية جديدة تغادر المعتقل الطائفي من أجل تجديد التجربة الوطنية بموازاة التجربة الطائفية.. وعلى كلّ من يريد أن يكون مُحرّراً من القيد الطائفي أن يتنازل عن كلّ حقوقه الطائفية في الرئاسات والوزارات والإدارة والمغانم الإجتماعية والرعاوية والدينية .. إنتخاباً وتمثيلاً.. وهذا التنازل يجب أن يكون واضحاً وصريحاً ومقونناً ..

وعليه فإنّني أتقدم بطلب إخلاء سبيل من  المعتقل الطائفي والإستشفاء من الإدمان على أفيون  السلطة من أجل الهجرة إلى رحاب الوطن متنازلاً عن كلّ حقوقي ومكتسباتي الطائفية.. متمسكاً بإيماني العميق بالله عزّ وجلّ وبحلمي الكبير بقيام دولة مدنية حديثة تحفظ الطوائف وتحترم حقوق الأفراد وحريّتهم..