IMLebanon

المطلوب إستنباط المعالجات لا الأَعذار

تنازَع اللبنانيين بالأمس شعوران غريبان إلى حدِّ التناقض:

شعور بالرضى وشعور بالقرف، الشعور بالرضى سببه أنَّهم لم يكونوا يتوقعون أن تقترب الأعياد بهذا الكَمِّ من الإيجابية في الأجواء، والشعور بالقرف سببه الإختناق المروري الذي كاد أن يُنغِّص عليهم هذه الأجواء.

وبين الشعورَين غَلب الشعور الإيجابي، أمّا لماذا؟

فلأن الناس يُفتِّشون عن بصيص أمل حتى ولو كان في ضوء زينة.

ملَّ اللبنانيون النعيق ونفحات التشاؤم، وباتوا ينبذون هذه الروح التشاؤمية التي يبثها البعض، سواء على المنابر أو في الكتابات. ولنرجِع قليلاً إلى الوراء لنُعايِن ما كان يُكتَب ويُقال:

بعضهم تحدث أنَّ الأعياد لن تمرَّ على خير وأنَّ تفجيرات ستسبقها، وأنَّ اللبنانيين المغتربين لن يعودوا ليُمضوا فترة الأعياد مع أهلهم. فماذا كانت نتيجة إدعاءاتهم؟

النتيجة جاءت عكسية، فالناس في أجواء العيد قبل حلول العيد، والمغتربون إزدحم بهم المطار ولا يزال، أما مَن لم يأتِ بعد فإنه يفتِّش عن مقعدٍ له في طائرةٍ آتية.

ماذا تُسمُّون هذا كله؟

أليس هو العيد؟

وإذا لم يكن كذلك فماذا يكون؟

لقد حاول كثيرون أن يُكثروا من عيِّنات التشاؤم فانقلب السحر على الساحر، وخاب فألهم.

مع ذلك، وعلى رغم كلِّ هذه الأجواء الجيِّدة، فهل هذا كافٍ؟

إذا لم تُثبَّت الروح الإيجابية بالإستقرار السياسي فكيف لها أن تصمد؟

هناك إستقرارٌ واعد ولكنَّه ما زال في بداية الطريق، وإذا كانت هناك من تسمية بالإمكان إطلاقها عليه فإنَّها ستكون إستقرار الفرصة الأخيرة. إنَّ سنة 2014 كانت سنة الإختبارات القاسية:

الجميع اختبروا طموحاتهم ومخططاتهم حتى الدرجات القصوى، لم يبقَ أحدٌ إلا واختبر ما يطمح إليه، فماذا كانت النتيجة؟

لقد هوَت كلُّ الطموحات ولم يتبقَّ منها طموحٌ واحد قابل للحياة.

هنا يأتي التحدي الأكبر للدولة، هل بإمكانها أن تستوعِب مَن اختبروا طموحاتهم وفشلوا كذلك وهم مَن يراهنون في الأساس عليها؟

هذا هو التحدي الأكبر الذي يتمثَّل في أن تستوعب الجميع من دون إستثناء. إذا نجحت الدولة في هذا الإختبار تكون قد حلَّت مشكلةً كبيرة، فالدولة مهما تعاظمت الأحزاب والتيارات والميليشيات وغيرها من القوى، تبقى هي الملاذ الأخير للمواطنين جميعاً من دون إستثناء، فالأحزاب والتيارات تهتم بمناصريها وكوادرها، أما الدولة ومؤسساتها فإنَّها تهتمُّ بالجميع من دون إستثناء.

إستناداً إلى هذه الخلاصة فإنَّ الدولة مدعوَّة إلى أن تحزم أمرها وإلى أن يكون أداؤها مبنياً على الفعل وليس على ردة الفعل، بمعنى آخر أن تأخذ المبادرة ولا تنتظر أن يأخذ أحدٌ المبادرة عنها.

هكذا يكون التصرف المسؤول والأداء المسؤول، وما لم تقم الدولة بهذه المبادرة فإنَّ دورها سيُغيَّب من جديد، ولا عذر لها في ذلك، فإذا كانت المسألة مسألة شغور فإن هناك في الدستور ما يعالِج هذه المسألة، فلْيَكُفِّ المسؤولون عن إستنباط الأَعذار وليبادلوها باستنباط المعالجات.