IMLebanon

المطلوب من “التيار” و”القوات” … “وثيقة محبة”!

يترقب المسيحيون والكثير من المسلمين ما سيفضي اليه حوار “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، بعد أن فتح الخصمان اللدودان صفحة جديدة في العلاقات تهدف الى المصارحة والمصالحة ووضع حد نهائي للتصادم مهما كانت نقاط الاختلاف متباعدة. فالاختلاف في الرأي على الكثير من القضايا، يقابله تفاهم وتطابق في قراءات مشتركة لملفات كثيرة. ومن عاش، طوال ثلاثة عقود من الصراع الدموي والسياسي والاعلامي بين الطرفين المسيحيين، يريد فعلا أن يصدّق ان ما يحصل الآن حقيقة، وليس مجرد تقاطع مصالح فرضتها الظروف الداخلية والاقليمية. صحيح ان السبب المباشر لبدء الحوار كان الفراغ الرئاسي، لكن حجم المخاطر المحدقة بلبنان ومسيحييه عجلت في اللقاء. حدد “الجنرال” معادلة الحوار بضرورة التفاهم على الجمهورية، فلاقاه “الحكيم” موافقا ومرحبا. هل يتوصل الزعيمان الى اتفاق على أي جمهورية يريدان من دون أن يؤثر ذلك في تحالفاتهما؟ وهل يمكن ان تقوم جمهورية دون ان يتفق ابناؤها على أسس وجودها؟ بدءا بدستورها مرورا بسيادتها على أرضها وانتهاء بوجود رئيس يقودها؟ ان الخلاف بين “التيار” و”القوات” هو خلاف على هذه الأسس وعلى الخيارات السياسية الكبرى: اتفاق الطائف، سلاح “حزب الله”، سيادة الدولة على أرضها، تدخل “الحزب” في سوريا، العلاقات اللبنانية – السورية، المحكمة الدولية، قانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية. فهل يضع الفريقان كل هذه الخلافات جانبا، ليتفقا على الانماء المتوازن، واللامركزية الادارية، وملف النازحين، ودعم الجيش، والتصدي للارهاب والاصلاح، وحقوق المسيحيين، والمناصفة، وصولا الى الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي تهم اللبنانيين ولا سيما المسيحيين؟ يعتبر البعض ان هذه الامور هي من البديهيات التي لا خلاف عليها، وليست على مستوى اللقاء المنتظر، ولا تستحق الضجة الاعلامية التي تضخمها وسائل الاعلام، ولكن، كما قال “الجنرال”: “بغض النظر عن نتائجه، فقد رفع الحوار بحد ذاته العلاقات بين “التيار” و”القوات” الى مستوى جديد من التواصل. لقد حوّل العلاقة من انقطاع تام في العلاقات الى مرحلة جديدة من التصالح والتفاهم”. اذا، ان الاستراتيجية الاساس التي رسمها الطرفان تهدف الى وضع حد نهائي للماضي التصادمي وفتح صفحة جديدة من المصارحة والمصالحة، وعدم تحويل نقاط الاختلاف الى خلاف وصراع. هذا جيد وايجايي وخطوة مباركة تستحق كل تقدير. إلا أنه، وكي يكون للحوار معنى، سيكون على الطرفين الغوص في كل المشاكل الخلافية والقيام بتنازلات للخروج بنتائج عملية ترضي اللبنانيين ولا تحبط المسيحيين. فالحوار هو لغة التواصل بين الناس من أجل حل المشكلات التي تعترض حياتهم ومسيرتهم وتقدمهم، توصلا الى غايات نبيلة وسامية. إن اختلاف وجهات النظر مهما بلغت بين المتحاورين لا تمنع الاحترام والتقدير، لان الاحترام المتبادل يجعل الاطراف المتحاورين يتقبلون الحقيقة ويأخذون بها، وعلى المحاور ان يريد لأخيه ما يريد لنفسه. فالمحاور لم يدخل الحوار الا وهو يرغب في الاستفادة، فان لم يستفد فعليه ان لا يفقد الاحترام والتقدير لمن يتحاور معه.

في 6 شباط 2006، توصل “التيار” و”حزب الله” الى “وثيقة تفاهم” من عشر نقاط، أهم عناوينها: قانون الانتخاب وبناء الدولةـ، والمفقودون خلال الحرب، واللبنانيون في اسرائيل، والمسألة الامنية، والعلاقات اللبنانية السورية، والعلاقات اللبنانية الفلسطينية وحماية لبنان وصون استقلاله وسيادته.

بكل محبة وتجرد نسأل: ماذا تحقق من هذه البنود؟ أي قانون انتخاب أنجز؟ وأي دولة بنيت؟ أين هم المفقودون والمبعدون؟ أين أصبحت العلاقات اللبنانية السورية، واللبنانية الفلسطينية؟ أين هو الامن الذي يشغل اللبنانيين كل يوم؟ وماذا تبقى من استقلال لبنان وسيادته؟ للحقيقة نقول لم يتحقق شيء من هذه البنود، وتفاقمت الامور وتدهورت نحو الأسوأ، ولكن مع ذلك، بقيت المودة والاحترام المتبادل، وبقي التحالف قائما ولو اختلفت الآراء في بعض الملفات والقضايا.

إن ما يطلبه المسيحيون من “التيار” و”القوات” أهم بكثير من “وثيقة تفاهم”، وأعظم بكثير من “الحقوق المسيحية” والمادة 24 من الدستور، انهم يطلبون منهم المحبة لبعضهم، كما اوصاهم المخلص، لأن المحبة كفيلة بحل كل المشكلات التي يعانيها لبنان، بما فيها رئاسة الجمهورية، فالمحبة كما قال بولس الرسول: “تتأنى وترفق. المحبة لا تحسد. المحبة لا تتفاخر، ولا تنتفخ، ولا تقبّح، ولا تطلب ما لنفسها، ولا تحتدّ، ولا تظن السوء ولا تفرح بالاثم، بل تفرح بالحق، المحبة تحتمل كل شيء، وتصدق كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبر على كل شيء. المحبة لا تسقط أبدا. فالله محبة، و”من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه”.

مختار الجديدة