Site icon IMLebanon

…الإنقاذ المستحيل!

 

حبل الأسعار على “جرّار” الدولار والكارثة قريبة

 

سجّلت أسعار مختلف السلع والخدمات هذا الشهر، إرتفاعاً تراوح بين 20 و30 في المئة. مؤشّر الأسعار الذي يستغرق سنوات ليقفز بهذه المعدّلات ويترافق في العادة مع تعديل في الدخل، تغيّر في لبنان بين ليلة وضحاها، موقِعاً بالضربة القاضية، آلاف الأُسر والعائلات. الإنعكاسات ظهرت سريعاً بتدهور القدرة الشرائية، وتحديداً لمن يتقاضون أجورهم بالليرة اللبنانية. وباستثناء من “يتموّنون”، أي يتبضّعون كميات كبيرة من الحبوب والمعلّبات ومنتجات الطحين، لخوفهم من فقدان هذه السلع من الأسواق، فإن المؤشر العام للطلب هو في حدوده الدنيا.

 

إرتفاع الأسعار ليس المشكلة الوحيدة التي تضرب القدرة الشرائية، إنما انخفاض مختلف المداخيل بنسبة 50 في المئة، بعدما عمدت مختلف الشركات والمؤسسات الى حسم 50 في المئة من رواتب العمال بسبب الأزمة.

 

لو سلّمنا جدلاً بأن الأسعار ارتفعت 20 في المئة فقط، وأضفنا إليها حسم الشركات نسبة 50 في المئة من الأجور، فتكون القدرة الشرائية للسواد الأعظم من المواطنين قد انخفضت بنسبة 70 في المئة، ولم يتبقَّ لهم سوى 30 في المئة للإنفاق من أصل رواتبهم وأجورهم.

 

هذا كله وما زلنا في بداية الأزمة. والكسر الذي أحدثته صدمة الأسعار، في هيكل محدوديّ الدخل ما زال ساخناً، ولم يشعروا بعد بألمه الحقيقي. أيامٌ قليلة وندخل الشهر الثاني من الإضطرابات، ومن المتوقع ان تشتد المعاناة وتمتد الى مختلف الفئات والمهن والمصالح، وتصيب البلد بالجمود التام والشلل.

 

المشكلة في التحويلات

 

التجار ليسوا في منأى عما يحصل، بل إن معاناتهم مضاعفة، فهم من جهة يضعون اللوم على ارتفاع الأسعار، ومن جهة ثانية يتعرض رأسمالهم للذوبان ويعانون كغيرهم من المؤسسات من تراجع الانتاجية. وبحسب نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي فإن “كل ما نفعله هو إضافة فرق العملة، الذي أصبحت نسبته حوالى 25 في المئة، الى المستوردات، كي لا يتآكل رأسمالنا، ونحافظ على قدرتنا على الإستيراد في المستقبل”.

 

المشكلة بحسب بحصلي، يمكن تخطيها لو بقيت محصورة في “فرق العملة”، إذ باستطاعة التجار تغيير بلدان المصدر واختيار السلع الأرخص، وبإمكان الأفراد الإقتصاد في المصروف وتخفيف الإستهلاك، إنما منع التحاويل الى الخارج كان الضربة القاضية للقطاع التجاري بشكل خاص وبقية القطاعات الإنتاجية بشكل عام.

 

“الوطني” لن يسلم

 

نقيب أصحاب السوبر ماركت نبيل فهد يقسّم ارتفاع أسعار السلع إلى ثلاث فئات:

 

الاولى، الأصناف المستوردة من قبل الشركات الكبيرة مثل “ترانسميد” و”نستلة” و”لوريال” و”فتال” و”عبجي” و”فنشنتي”.. وغيرها، شهدت تغييراً في الأسعار، مع محافظة قلة قليلة من البضائع على الأسعار القديمة، مثل السلع التي تستوردها “فنشنتي”، التي أصرت على عدم رفع الاسعار كمساهمة منها في الثورة. لكن السؤال الى أي متى تستطيع الشركات الصمود في وجه الأزمة المتفاقمة؟

 

الثانية، الأصناف المستوردة سريعة الإستهلاك، كالحبوب واللحوم، تشهد تغيراً يومياً في اسعارها بحسب فرق سعر صرف الدولار. فقبل أربعة أيام كان التجار يحسبون الدولار على سعر 1800 ليرة، بينما ارتفع هذا السعر لنفس المنتجات البارحة الى 1950 ليرة مقابل كل دولار.

 

الثالثة، المنتجات الوطنية، التي استطاعت ان تحافظ لغاية اليوم على معدل الأسعار نفسه، من المتوقع أن ترتفع اسعارها بنسبة أقل من ارتفاع السلع المستوردة، بسبب اضطرار المنتجين الى استيراد بعض المواد الاولية ومعدات التصنيع والتغليف والتعليب من الخارج بالدولار. وبالتالي سيعمدون الى إضافة فرق سعر صرف الدولار على منتجاتهم.

 

في بلد يستورد 90 في المئة من حاجاته، أو ما تفوق قيمته 20 مليار دولار، فإن ارتفاع الأسعار نتيجة انخفاض سعر صرف العملة الوطنية سينعكس على كل القطاعات، حتى الزراعية.

 

مزارعو البطاطا طالبوا المصارف بضرورة “توفير اعتمادات مالية بالدولار الاميركي بالسعر الرسمي، لشراء حوالى 30 الف طن من بذار البطاطا، وتأمين تحويلها الى كل من فرنسا، بلجيكا، هولندا، ألمانيا والدانمارك. وبحسب مزارعي البطاطا فإن “كمية بذار البطاطا في أوروبا قليلة جداً هذا العام، وإذا لم يتم تحويل ثمنها في أسرع وقت، فستقوم هذه البلدان ببيعها إلى بلدان أخرى وسيخسر المزارع اللبناني ويحرم زراعة اكثر من 100 الف دونم بطاطا وانتاج اكثر من 400 الف طن بطاطا للاكل والتصنيع سنوياً، وتقدّر قيمتها بنحو 150 مليون دولار يُباع قسم منها في السوق المحلية ويصدّر القسم الآخر الى الخارج”.

 

الوضع لا يُحتمل

 

مختلف الآراء تشير صراحةً إلى ان الأزمة ستأخذ مطلع الشهر المقبل منعطفاً خطيراً، قد يكون نهائياً. فالمشكلات الإقتصادية تزداد حدّة، والسيولة بالعملات الأجنبية تكاد تنفد، والبطالة ترتفع، والانتاج شبه متوقف، والقدرة الشرائية شبه معدومة، والأسعار ترتفع. وفي ظل هذه المؤشرات من الصعب، إن لم نقل من المستحيل، أن يكمل أي إقتصاد.

 

الحديث عن تشكيل الحكومة، أصبح متأخراً جداً، حتى أنه لم يعد ينفع لإنقاذ الوضع الإقتصادي. فالى أن تتشكل الحكومة تكون السيولة بالدولار قد استنفدت من المركزي والمصارف، وعندها يصبح البلد في عجز كامل.

 

يبقى حلٌ وحيد، القبول بشروط صندوق النقد الدولي، التي بدأ تطبيقها فعلياً خصوصاً لجهة تحرير سعر صرف الدولار، وتخفيف النفقات وتخفيض العجز العام، مقابل إمداد لبنان بحزمة مساعدات قد تصل الى حدود 5 مليارات دولار. لكن السؤال هل سيقبل بنا الصندوق، أم نُعامل كما عوملت الأرجنتين العام 2001؟