Site icon IMLebanon

الإنقاذ ممكن .. قبل نيران الفوضى!

 

عرض الأفواج المدنية في ساحة الشهداء يوم الإستقلال، خطف عقول اللبنانيين، وأثار إعجاب الملايين في الخارج، وحاز على شرعية الإحتفالية الباهرة بمشاركة الآلاف من نخب المجتمع المدني وشرائحه المختلفة، وكشف مدى إفلاس السلطة في التعاطي مع هذه المناسبة الوطنية والسيادية بإمتياز.

 

لم تعد حضارية الإنتفاضة، ولا سلمية الثورة، ولا صلابة الحراك وتماسكه على إمتداد الوطن، هي وحدها عناصر الدهشة الداخلية والخارجية بقدرة اللبنانيين على التعامل مع أصعب الظروف بأساليب إنسانية وديموقراطية، فقد أصبحت الإبداعات الخلاّقة في التعبير عن مطالب الثورة وأهدافها، أكثر تفوقاً على كثير من تجارب الشعوب الأخرى، التي سلكت طريق الثورات الشعبية مساراً للتغيير السلمي والديموقراطي، بدءاً من الإقليم الملتهب حولنا، إلى تشيلي وبوليفيا غرباً، وتشيكوسلافيا وأوكرانيا شرقاً.

 

ولكن المفارقة الملفتة، والتي حيّرت الكثير من المراقبين، أن الإنتفاضة تراكم المزيد من الإنجازات والإنتصارات يوماً بعد يوم، فيما السلطة المرتبكة، والتي أصبحت رهينة سياسة العناد والإنكار والمكابرة، تُراكم الخسائر والإنهيارات، دون أن يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود في معالجتها المترددة ليوميات هذه العاصفة التي تهز أركان النظام، وتهدد ما تبقى من عوامل إستقرار في البلد.

 

الثورة ماضية في يومها الأربعين، وكأنها في زخم اليوم الأول، وحماس اللبنانيين، شيبة وشباباً، ما زال مشتعلاً وفي أوجّه، فيما أهل الحل والربط في السلطة تتلبد مشاعرهم، وتزداد وجوههم برودة، وتتعقد أفكارهم، ويعجزون عن سلوك درب الحل الناجح والحاسم، إنقاذاً لأنفسهم وسلطتهم، أولاً، من السقوط المريع في ساعة لا ينفع فيها الندم، ولا تُفيد لومة لائم.

 

إستمرار الثورة بهذا الحراك المنظم والمتصاعد، قد يكون فاجأ كثيرين في الداخل والخارج، ولكن المفاجأة – الصدمة للجميع، كانت وما زالت، تكمن بهذا المستوى من الضياع والعجز الذي يسيطر على مواقع القرار، والإصرار في الهروب إلى الإمام، عوض العمل على مواجهة مستجدات الوقائع الجديدة التي أفرزتها الثورة الشاملة، والذهاب إلى صيغة تسوية وطنية واعية لمتغيرات الأوضاع والمعادلات على الأرض، وقادرة على إستيعاب متطلبات المرحلة الإنقاذية، المالية والإصلاحية، من تضحيات سلطوية وفئوية، مقابل الخروج من هذا النفق المظلم.

 

تصرفات الجيش والقوى الأمنية الأخرى الملتزمة بالنهج الوطني الصرف، بمنأى عن ضغوط السلطة التي تحاول دفعها للمواجهة مع شعبها وأهلها، ساهمت وإلى حد كبير في تعزيز حماية الثورة وسلميتها، كما أدّت، بشكل غير مباشر، إلى ردع بعض المحاولات التي حاولت إجهاض الثورة، وتخريب الحراك الحضاري والديموقراطي.

 

ولكن إستمرار السلطة في عنادها على إنكار أحقية المطالب الوطنية في القضاء على الفساد، وإقصاء ومعاقبة الفاسدين، وإسترداد الأموال المنهوبة، والعمل على إجراء إنتخابات نيابية مبكرة بموجب قانون إنتخابي، يُحاكي مطالب الإنتفاضة، ويُلبي طموح الشباب بتخفيض سن الإنتخاب إلى ١٨ عاماً، هذا العناد يعني أن البلاد مقبلة على مرحلة بالغة الدقة والخطورة، قد تُخرج الأمور عن السيطرة، وتفتح الأبواب أمام شتى الإحتمالات، وأكثرها سوءاً، خاصة عندما تجد أطراف خارجية الفرصة متاحة لدس أصابعها في ثنايا المشكلة اللبنانية المتجددة، بأساليب وأهداف مختلفة، عما كان بالأمس القريب.

 

الوصول إلى مثل هذا الإحتمال، يعني أن السلطة قررت الإنتحار، ونحر البلاد والعباد معها، على طريقة علي وعلى أعدائي، وإيقاع الجميع في مهب فوضى مدمرة، نشاهد بعض نماذجها العنفية والدامية فيما يجري في أكثر من بلد في المنطقة.

 

لا ندري إذا كان الرهان على وعي أطراف السلطة وحلفائها، ما زال ينفع في خضم سياسة التجاهل، والتقليل من أهمية ما يجري في طول البلاد وعرضها من حراك وطني شامل ضد منظومة الفساد والقهر التي أوصلت البلد إلى حالة الإفلاس، ودفعت الناس الغلابى إلى دون خط الفقر، والإصرار على التعاطي مع المعطيات الجديدة وكأنها لم تكن، والإنكار من أن الثورة الشعبية العارمة والمستمرة منذ أربعين يوماً، هي مؤامرة خارجية يمكن إحباطها… والقضاء على عناصرها… كذا!

 

كيف يمكن إقناع أصحاب القرار في السلطة بأن ما بعد ١٧ تشرين الأول لا يمكن أن يكون مثل ما قبله، وأن المعايير إنقلبت رأساً على عقب، وتغيرت معها الموازين على الأرض؟

 

التسوية..، الحل..، الإنقاذ..، ما زال ممكناً، وبكلفة معقولة، وبتنازلات مقبولة من الأطراف المعنية، في السلطة وفي الثورة، وإلاّ فإن نيران الفوضى ستحرق الجميع!