Site icon IMLebanon

«خطة إنقاذ» أم «بالون حراري» سيفقع؟

 

وأخيراً… ولدت خطة دياب للإنقاذ. يُسجَّل للرجل عناده لإصدارها ضمن الـ100 يوم الموعودة. في الشكل، هذا إنجاز. ولكن في المضمون، هناك أصداءٌ أخرى: إنّها خطة «مِن قريبو». و»ما كان في الإمكان أفضل مما كان». وفي عبارة أوضح، يُقال: لا إصلاح في الخطة، بل وعودٌ بوجود نيّات إصلاحية. وثمة مَن يخشى أن تكون هذه محاولة إنقاذٍ أو إنعاشٍ للطاقم السياسي، لا للدولة والبلد. فالرهان مستحيل على أن يقوم طاقم الفساد نفسُه بعملية «التنظيف» والمحاسبة: هل مِن أحدٍ يحاسب نفسه بنفسه؟

 

السؤال الذي تَبادر إلى الأذهان، أمس، هو: هل جاءت خطة الحكومة ثمرة توافقٍ واسع مع القوى المعنية في الداخل (الهيئات الاقتصادية والمالية، والقطاع المصرفي خصوصاً) وفي الخارج (صندوق النقد الدولي والجهات المعنية بالمساعدات للبنان، ولاسيما واشنطن)؟

 

فهذه الخطة لا ترى النور ما لم تتوافر مقومات تطبيقها داخلياً، وما لم تحصل على تغطيةٍ دولية تسمح بتدفّق الأموال التي يحتاج إليها لبنان، سواء من صندوق النقد الدولي أو من المانحين في مؤتمر «سيدر» أو سوى ذلك. فالخطة تكون إنقاذيةً أو لا تكون بشرط أساسي، وهو أن تنسجم مع متطلبات المجتمع الدولي والجهات المانحة.

 

بمعزل عن الردود السياسية التي ظهرت في «بيت الوسط» أو سواه، كان الردُّ سلبياً في العديد من الأوساط الاقتصادية والمالية والحقوقية: إنّها ليست خطةً بالمعنى الحقيقي للكلمة. هي ليست أكثر من أطروحةٍ إنشائية. ليس فيها بنودٌ إصلاحية قابلة للتنفيذ، بل وعود. وأما ما هو مهيّأ للتطبيق فهو الجزء المتعلق بالمصارف والمودعين والودائع.

 

في تقدير هذه الأوساط: ظهرت خلفيات سياسية يبيِّتها بعض القوى النافذة تجاه هذا القطاع، وكانت واضحةً في التصادم الأخير بين حاكم مصرف لبنان وهذه القوى، من خلال شخص الرئيس حسّان دياب. وفي تقديرها، أنّ عمق المسألة سياسي في الدرجة الأولى، وليس مالياً واقتصادياً.

 

فـ»حزب الله» وبعض حلفائه يريدون استخدام «خطة الإنقاذ» ضمن أوراق القوة التي يجمعونها داخلياً، في مواجهة القوى المحسوبة على الولايات المتحدة والغرب والخليجيين العرب. وهذا المناخ يلتقي مع أصداء التشكيك التي ظهرت أمس أيضاً لدى الأوساط الديبلوماسية الغربية المعنية بالموقف.

 

فقد سُئلت هذه الأوساط: في ضوء الاتصالات الرفيعة التي جرت في اليومين الفائتين بين دياب ووزير المال غازي وزنة من جهة، ومسؤولين أميركيين وفرنسيين ومن الأمم المتحدة، هل يمكن القول إنّ هناك تنسيقاً حول الخطة مع الجهات الدولية المعنية؟ فأجابت: ليس لأحد أن يقرِّر عن لبنان سبل الإنقاذ التي يريد سلوكها. فهذا أمر متروك له. ولكن، على أي خطة أن تترجم فعلاً لا قولاً ألّا تكون الحكومة خاضعة لأي قوة خارجية.

 

وهذه الإيضاحات تؤكّدها المواقف التي أعلنها مسؤولون في العواصم البارزة، وأبرزهم مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، الذي علَّق على المواجهة بين دياب وسلامة، بالإشارة إلى التعاون بين سلامة والسلطات الأميركية في ملف العقوبات على «حزب الله».

 

وهذا الموقف يكشف مرّة أخرى أنّ جوهر الأزمة الحالية ليس في الدرجة الأولى مالياً- اقتصادياً، بالمعنى التقني، بل هو سياسي يتعلق بالصراع على لبنان، سواء بين مكوِّناته الطائفية والمذهبية أو بين المحاور والقوى والإقليمية والدولية، ولاسيما الولايات المتحدة وإيران.

 

وهذا يستتبع أيضاً التأكيد أنّ الخطة الوليدة لم تُنَسَّق مع صندوق النقد الدولي، على رغم أنّها تحسب له حساباً في دعم مبرمج مقداره 10 مليارات دولار. وهذه نقطة ضعف لها.

 

ثمة من يعتقد أنّ «حزب الله» وحلفاءه يريدون استخدام خطة دياب طلقةً أخرى في المعركة ضد الخصوم، بل ربما يريدونها المعركة الحاسمة. وفي الموازاة، هم يتأهّبون لمواجهة أي حراكٍ في الشارع قد يؤدي إلى زعزعة «الستاتيكو» القائم.

 

وربما تساهم الخطة أيضاً في تنفيس النقمة ضد السلطة في الشارع. وقد جاء التحذير الحثيث والمكثّف الذي أطلقه دياب من موجة «كورونا» ثانية، أشدّ سوءاً، في تموز، لتصبَّ في الهدف نفسه. ولكن يجدر الاعتراف بأنّ هذا التحذير من انهيار تدابير الوقاية بين الآلاف في الشارع صحيحٌ علمياً.

 

كما يجدر الاعتراف بأنّ «حزب الله» وحلفاءه ليسوا وحدهم المتضررين من عودة الانتفاضة. الطاقم السياسي كله يجد مصلحة في تسوية الأمور «على مضض». فلا أحد يناسبه افتضاح الفساد تماماً والذهاب إلى المحاسبة.

 

في بعض القراءات الداخلية المعارضة، أنّ «حزب الله»، وفي ضوء تزايد الضغوط على حليفه الإيراني، يقدّم اليوم تنازلات جزئية وموضوعية، وفي شكل بطيء، ويتجاوب ضمن حدود معينة مع صندوق النقد الدولي.

 

في تقديرها أنّ «الحزب» يوحي للقوى الدولية بأنّه أكثر قبولاً بمبدأ النأي بلبنان عن المحور الإيراني، والسير في الإصلاح الذي تشترطه المؤسسات والجهات الدولية. فهاجسه تمرير المرحلة الصعبة من التعايش مع إدارة الرئيس دونالد ترامب. وبعد ذلك، سيكون لكل حادث حديث.

 

أما الخطة الموعودة، فليست سوى عنوان للاستهلاك، بل هي «بالون حراري» آخر وسرعان ما سيفقع!

 

واقعياً، كانت هناك جرثومة تنخر في العقل اللبناني منذ سنوات وسنوات، وهي أنّ القوى الدولية ستحمي الاستقرار اللبناني كلما أشرف على الانهيار، لأنّ للمجتمع الدولي مصلحة في هذا الاستقرار. وعلى هذا الأساس، مارست القوى اللبنانية دلعاً متمادياً، ومارست الفساد بلا حدود… ما دامت «الدول» مستعدة للتمويل دائماً.

 

ولكن، تبيّن للقوى السياسية في لبنان أنّ هذه الجرثومة ماتت، أو أنّ المجتمع الدولي صار يمتلك اللقاح ضدها، وأنّ لبنان قد يسقط ولا يسأل عنه أحد، وأنّه هو مَن سيصرخ أولاً في عملية عضِّ الأصابع، وليس القوى الدولية طبعاً.

 

إذا تبيَّن فعلاً أنّ خطة دياب يُراد منها أن تكون مجرَّد «بالون حراري»، فعلى الأرجح سيكون انفجار هذا البالون أخطر من المتوقع، وسيحرق معه كل الرهانات والحكومة ورئيسها… وربما الدولة بأسرها!