الدولار الرسمي بـ 3500 ليرة ولا تغيير في الرواتب والأجور
في مسودة برنامج الانقاذ الحكومي (نسخة نيسان المسربة)، بند يسوّد حياة اللبنانيين ويدفع بهم إلى تحت خط الفقر. “برجّة” قلم خفّض سعر الصرف الرسمي بشكل تدريجي من 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار إلى 3500 ل.ل. هذه السنة، ليصل في العام 2024 الى 4297 ليرة. التحرير المطلوب لسعر الصرف أتى كبيراً، مفاجئاً وسريعاً ولم يترافق مع رؤية واضحة لكيفية معالجة انعكاساته التي قد تكون عنوان مواجهة مفتوحة في الشارع، لا أحد يعلم عواقبها أو كيف من الممكن ان تنتهي.
“كيف ما بتضرب ايدك بتلم مأساة”، يعلق أحد تجار الأدوات الكهربائية في منطقة الشوف على انهيار سعر الصرف. “المواطنون أصبحوا عاجزين عن تأمين متطلبات الحياة. شريحة كبيرة من الموظفين في القطاعين العام والخاص لم تعد تستطيع تأمين ما يكفيها من غذاء، فما بالك ببقية السلع والمنتجات”.
تدهور مستوى الحياة
سرعة تدهور مستوى الحياة قياسية، صحيح. لكن الكثيرين لا يعلمون انها حقيقية، فالثلاثون سنة الماضية كانت الإستثناء الخاطئ لنموذج الحياة بالمقارنة مع النظام الاقتصادي المتبع، وليست القاعدة. واليوم دقت ساعة الحقيقة البشعة في ظل وجود سلطة أبشع منها، لا تقيم أي اعتبار لمصالح وهموم وهواجس المواطنين، والخطة خير دليل.
“أكثر من 350 الف موظف في القطاع العام جرى سحقهم، وسلسلة الرتب والرواتب التي ناضلنا سنوات طوال من أجل تحقيقها امتصت بأضعاف مضاعفة”، يعلق عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة طارق برازي.
“ونحن كموظفين لن نسكت عن هذا الواقع وسنعاود تحركاتنا في الشارع وبكل الوسائل التي تكفلها القوانين من أجل تصحيح عادل للاجور، فور حسم الحكومة ترددها واقرارها الخطة بصيغتها النهائية. وعلى الشيء يبنى مقتضاه”، يضيف برازي.
رابطة موظفي الادارة العامة تشجب رمي التهمة في ما آلت الامور اليه إلى اقرار سلسلة الرتب والرواتب. فبدلاً من إصلاح “عورات” مالية الدولة التي يعود الفضل في اكتشافها إلى “السلسلة”، استمرت السلطة في نهج الفساد والهدر نفسه، ولم تعالج أبسط الامور وأكثرها وضوحاً والتي تتلخص في عجز يفوق الملياري دولار سنوياً في الكهرباء وحدها.
تخفيض غير مبرر
“تخفيض قيمة العملة باكثر من 160 في المئة دفعة واحدة يعتبر امراً غير مبررٍ في الظرف الحالي”، يقول الخبير الإقتصادي لويس حبيقة. فالدول عادة لا تغير سعر صرف عملتها في أوقات الأزمات المحتدمة انما تنتظر ليصبح هناك نوع من الاستقرار ومن ثم تجري التعديلات، لئلا تضطر بعد فترة قصيرة إلى إجراء تغيير جديد”، يضيف حبيقة.
الوضع اللبناني يغلي على صفيح ساخن وما زال ابعد بكثير عن استقرار حتى ولو كان سلبياً، وهو ما يدفع الاقتصاديين الى التخوف من نتائج تخفيض قيمة العملة رسمياً. فتحديد سعر الصرف على 3500 ليرة يعني أن بعض ما كان “يستفيد منه اللبنانيون في عدة أمور”، كما قالها حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في مؤتمره الصحافي الاخير سوف تنتهي إلى غير رجعة. فلن يعود بامكان المقترضين سداد دفعاتهم على أساس 1500 ليرة بل 3500 وسيعاد تسعير شراء الفيول والدواء والقمح على 3500 بدلاً من السعر القديم. وهذا غيض من فيض أمور سوف تتغير سريعاً، وستقضي نهائياً على القدرة الشرائية للمواطنين، وتؤدي بحسب الاقتصادي شادي حنا إلى “تراجع مؤشر الاستهلاك. وتكبير الفجوة في المركزي والمصارف بين الموجودات بالليرة والدولار ويؤثر بشكل كبير على ميزانياتها. الأمر الذي سينعكس بشكل سلبي على النمو والاقتصاد”.
الإصلاح هو الأساس
“مفاعيل التخفيض الهائل السلبية لسعر الصرف لن تنحصر بالقطاع العام بل ستطال موظفي القطاع الخاص أيضاً خصوصاً بعد تحول كل المعاملات المصرفية الى الليرة اللبنانية”، يقول حبيقة.
تخفيض قيمة العملة يترافق عادة مع زيادة الضمانات الاجتماعية وتأمين الاستشفاء والتعليم المجانيين… ولكن هذا ما لا تتضمنه الخطة، بل العكس، فانه حتى مساعدة لمرة واحدة بقيمة 400 الف ليرة للأسر الأكثر حاجة ما زالت معرقلة.
مقابل التخوف العام من انهيار سعر الصرف يرى رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية منير راشد انه “حتى مع انخفاض قيمة العملة بنسبة 160 في المئة، فانه ليس من المفروض أن تنعكس بنفس النسبة على الأسعار، حتى المستوردة منها”. فما يؤدي برأيه إلى ارتفاع الأسعار هو “استمرار تراجع الليرة مقابل الدولار وعدم ثباتها على سعرها الحقيقي المقدر اليوم بحدود 4000 إلى 4200 ليرة”.
لكن، ما الضامن لوقف الإنهيار بسعر الصرف؟
“الإصلاح”، يجيب راشد، “فالعجز المالي يؤدي الى خسارة العملة الصعبة في ميزان المدفوعات. ففي المدى القصير الاجل سيخسر كل من يتقاضى راتبه بالليرة اللبنانية من قدرته الشرائية، أما على المديين المتوسط والبعيد فان هذا التخفيض ستكون له انعكاسات ايجابية من خلال خلق آلاف فرص العمل وزيادة القدرة التنافسية للبضائع اللبنانية في الداخل والخارج”.
تراجع كلفة العجز في كل من الميزان التجاري وميزان المدفوعات، تعتبر أيضاً من ايجابيات تخفيض سعر الصرف، إلا ان هذه الخطوة يجب ان تترافق برأي حنا مع “اصلاح عام في الدولة وهير كات حقيقي في المصارف، يخلقان جواً من الثقة ويسمحان لصندوق النقد بتقديم المساعدة المالية لاعادة العزم الى العجلة الاقتصادية.
تصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص يبدو اليوم مستبعداً أكثر من أي وقت مضى، وعليه لم يبق في الكفة الثانية من الميزان إلا “الإصلاح”. فهل سننجز “واجبنا” على اكمل وجه؟ الجواب على هذا السؤال سلبي برأي الكثر، ليس لأن من أفسد لا يصلح، إنما لسوء المقاربة والاصرار على تحميل من لا ذنب لهم فاتورة الاصلاح المزعوم بدل من المحاسبة الجدية وتأمين التمويل اللازم المشروط مع المراقبة الدولية.