Site icon IMLebanon

جلسة البحث والحِسبة والحِساب والإستفهام

منذ الـ2008 والمشرّعون في لبنان يتخبّطون لإنجاز قانون وعدوا بأنه سيكون لائقاً لهم ولبلدهم. وبعد مخاض دام نحو 9 سنوات ولد القانون الشهير الذي نقل لبنان من عهد «الستين» الى النسبية، لتشهد قاعة مجلس النواب في 16-6-2017 إقرار«النسبية اللبنانية» أقلّ ما يقال عنها انها مغلّفة ومفصّلة لم تقنع أرباب «شعار النسبية» إضافة الى بعض من اللبنانيين والسياسيين، الّا انها أراحت الغالبية التي تريد الخلاص كيفما كان من القانون فيما أفرجت قلوب غالبية الطبقة الحاكمة التي كانت تمسك قلبها بيدها خوفاً من عدم عودتها الى ساحة النجمة.

الّا انّ القانون العصري الذي تغنّى به نواب الأمة في ساحة النجمة أسقط الكوتا النسائية بالتصويت، وتناسى النواب انّ ترتيب لبنان بالكوتا النسائية هو في أسفل خريطة العالم، كذلك أبعد تصويت المغتربين تحت راية أنه مؤجل وليس مُستَبعداً.

ومن المنابر دافع النواب عن نظرية اقتراع المغتربين ليتّضح انهم وحدهم في غربة فيما المغتربون الحقيقيون هم مقيمون فعلياً قلباً وقالباً داخل الوطن الّا انّ نوابه لم ينصفوهم.

ويؤكد البعض أنّ القانون النسبي نقل البلاد وأرجعها الى نظام الطائفية، فعاد النواب يتحدثون عن بيروت الشرقية والغربية. كل ذلك لم يردع النواب من إقراره برفع الأيادي وذلك حسب قولهم لأنه كان افضل الممكن.

بعد أن اعتبر «رئيسهم» رئيس مجلس النواب نبيه بري انه كان لا بدّ من تسوية يخسر منها الجميع ويريح فيها الجميع لأنّ البلد كان سيصل الى أزمة خطيرة هي ازمة مصير، وهو الذي عطّل الامر… آملاً من الحكومة الإسراع في فتح دورة استثنائية يكون فيها تشريع سريع وإقرار سلسلة الرتب والرواتب ومشاريع عديدة خلال الـ11 شهراً لاستعادة ثقة شعبها.

المهم، وبحسب تعبير النائب علي عمّار في الجلسة أنّ صانعي القانون «صَمّطوا» من كثرة الذهاب والاياب، الّا انّ بعض النواب في القاعة استمر في التجوال للبحث والاحتساب والحسيّة. فشكّل كل منهم «تجمّعاً» يتخذ كلّاً منهم ركناً داخل الجلسة للتباحث والحسبة !

البسمة لم تفارق ثغر الوزير جبران باسيل الذي تنقّل من الجلوس تارة مع نواب «القوات» وطوراً تشاوَر مع الوزير علي حسن خليل الذي انفرد معه للحظات طويلة في مدخل قاعة المجلس، فبَدا الوئام ثالثهما. ولطالما استرخى باسيل على الحائط وهو يستفيض في شرح مطوّل معه ليعود ويجالِس الرئيس سعد الحريري، ومن ثم ينتقل للتشاور مع النائبين جورج عدوان وستريدا جعجع.

بدوره، النائب سليمان فرنجية الذي اتخذ مكانه المفضّل في خلف القاعة بدأ محادثة مطوّلة مع النائبين سامر سعادة وعقاب صقر استمرّت لوقت طويل، وانضمّ اليهم النائب طلال ارسلان، ليَليه انضمام مستغرب ومفاجىء للنائب شانت جنجنيان الذي بَدا مصغياً جيداً الى حديث فرنجية، كما شارك لاحقاً في الحديث.

النائبان نديم وسامي الجميّل انشغلا بقراءة النظام الداخلي قبل مداخلة سامي الجميّل التي بَلبلت الجو.

أغرب ما في جلسة أمس انّ النواب أكثروا من اسئلة الاستفهام، فبدوا انهم يجهلون فعلاً القانون. وحده النائب احمد فتفت بَدا حافظاً درسه وفَنّد نقاط القانون في مداخلة استمرّت اكثر من نصف ساعة، بعد اكتشافه مغالطات لغوية تنسف معنى بنود عدة تمّ تصحيح البعض منها وسقط البعض الآخر في التصويت، لا سيما موضوع «المغلف» الذي سيتضمن اللائحة الانتخابية الذي طالب بإلغائه، الّا انّ طلبه سقط عند التصويت.

وبعد مداخلة النائب بطرس حرب بدأت عصفورية المجلس. يعقوب الصرّاف يتوجه صوب محمد رعد ليرسم له خريطة، باسيل يتوجه من جديد صوب حسن خليل.

الرئيس الحريري لم يبدُ مرتاحاً طوال الجلسة، وزاد تشنّجه خلال كلمة فتفت الذي ذكر بالمقاعد الستة المطلوب إلغائها لإعطائها للمغتربين، معتبراً أنّ الأمر بِبَتّ هذا البند يعود لمجلس النواب وليس للحكومة. وبعد شرح توضيحي من باسيل تدخّل بري قائلاً إنّ الفكرة كانت تقتضي بتطمين المغتربين على ان تُبحث تفاصيلها لاحقاً.

سامي والحريري

الحريري لم يتمكن من تمالك نفسه بعد كلمة الجميّل التي كانت مستفزّة، خصوصاً بعدما تساءل بصوت مرتفع لماذا التمديد سنة؟ متهماً الحكومة بأنها تحاول الرشوة خلال هذه السنة بالخدمات. فاستشاط الحريري غضباً، ورفض كلامه وحاول إسكاته بالقول: أرفض هذا الكلام. وخَبط بكلتا يديه على الطاولة، وانسحب بعدما رفض سامي الجميل التوقف عن الكلام، قائلاً له: لا أريد ان تقاطعني.

باسيل لم يبدِ اهتماماً بكلمة سامي الجميّل، وكان خلال إلقاء الجميّل لكلمته يتحدث ضاحكاً طوال الوقت، مستنداً الى الحائط مع حسن خليل. الّا انه وبعد السجال بين الجميّل والحريري، وبعد ان عاد الحريري من الخارج برفقة بعض الوزراء، جلس باسيل بجانبه محاولاً إضحاكه لكنه لم يفلح. فالحريري لم يبتسم طوال انعقاد الجلسة حتى عندما أقرّ القانون.

في نهاية الجلسة حاول الجميّل مطالبة بري بإعادة تعداد المقترعين للكوتا النسائية، الّا انّ بري لم يصغِ وأكمل قراءة المحضر. كذلك فعل عندما طالبه بمعاودة تعداد الاصوات التي صوتّت برفع الأيدي للانتخاب على اساس الدائرة وليس على أساس القضاء، فسقط بالتصويت. فلم يصغ بري أيضاً الى طلبه وغَيّر الموضوع ليتمّ إقرار القانون كما كتب، وما كُتِب قد كُتب.

عدوان لـ«الجمهورية»

من جهته، أوضح عدوان لـ«الجمهورية» أنه سعيد بمقولة «قانون عدوان» ولا يزعجه الوصف، مشيراً الى انّه يشكّل نقلة نوعية الى كل اللبنانيين إذ برأيه انتقلنا من قانون على النظام الأكثري يُقصي 49% عند حدوث الانتخابات، الى قانون يستطيع فيه كل 10% أن يتمثّلوا، متمنياً على اللبنانيين تفهّم هذا الموضوع المهم.

وعن الصوت التفضيلي، قال انه لم يتمكّن من نزع الصوت التفضيلي على اساس الدائرة لأنه لم يكن وحيداً يجاهد في موضوع القانون، بل حاول تقربة الجميع من المساحة المشتركة التي كان بداخلها أقطاب مع هذا لكنّ آخرين كانوا ضده.

وبرأي عدوان، القانون أنقذ البلد من الفراغ الحكومي والنيابي ومن أزمة نظام لا ندري اين تبدأ واين تنتهي فيما المنطقة في غليان، وهذا القانون أعطاه الاستقرار المالي والاقتصادي، مطالباً من اللبنانيين التنعّم بما أنجزه هذا القانون على رغم شوائبه. أمّا بالنسبة لمدة السنة فهذا القانون يحتاجها، مضيفاً أنّ من واجبات المجلس خلال الـ9 أشهر المقبلة إقرار المشاريع وإنجاز القوانين المُلحّة.

وعن كلمة السر التي كشفها عدوان والتي فاوضَ بها، أجاب أنها العلاقة الطويلة المبنيّة بينه وبين بري والحريري ونادر الحريري، وتوظيفها لخدمة القانون، ونادر الحريري كان يرافق كافة التحركات فيما كان الرئيس الحريري يدعمها بالاضافة الى العلاقة المميزة والصداقة مع وليد جنبلاط، والتي سمحت الغَوص في التفاصيل والتشاور ومن ثم الاقناع، وأخيراً التنسيق الدائم مع باسيل.

السنيورة لـ«الجمهورية»

وبالنسبة لخطورة المدة الطويلة وتَبِعاتها، أوضح السنيورة لـ«الجمهورية» انه «لو أجرينا الانتخابات على اساس قانون الستين لم يكن يلزمنا هذا الوقت الطويل، إنما هذا القانون يحتاج الى فترة طويلة من اجل ان يتعوّد عليه المرشحون ويتفهّموا كل التداعيات الناتجة عنه، وايضا ان يتمكن الناخبون من ان يحددوا قراراتهم بشكل سليم. واعتبرَ أنّ فترة اربعة اشهر او خمسة لا تكفي للأمر، بل على الاقل يلزمنا 10 اشهر، اضافة الى انّ المَكننة تتطلّب فترة طويلة.

امّا بالنسبة الى البطاقة الممغنطة فأكّد انّ القانون النسبي يحتاجها من دون الخوض بالتفاصيل. امّا في موضوع خطورة احتكار البطاقة الممغنطة من قبل فريق معيّن واحتمال تأخير مسار الانتخابات لمصلحة فريق ضد آخر، أجاب السنيورة: هناك مجلس يُراقب وهناك صحافة، وهذا الأمر غير وارد على الاطلاق.

وعن مُشادّة الحريري- الجميّل قال السنيورة «إنها زَلّة لسان، واعْتَذَرَ عنها، وما نِعمُل منها قصّة».