قبل ان يتشكل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم”داعش”، وفي غمرة انهيار الواقع الامني – العسكري في العراق، جرت مشاورات مكثفة بين واشنطن والدول العربية المعنية بالازمة السورية، وفي مقدمها السعودية، وكان البند الاول على جدول الاعمال بعد بند محاربة “داعش”، مصير الوضع في سوريا. في تلك المرحلة كانت لا تزال الخلافات بين واشنطن والرياض حول الملف السوري في الاذهان، ويذكر ان الاميركيين صدموا شركاءهم العرب بمواقف متراجعة عما كانوا التزموه قبلا بالنسبة الى دعم التغيير في سوريا. والحال ان العرب شعروا بأن الاميركيين تراجعوا اثر ازمة استخدام نظام بشار الاسد السلاح الكيميائي ضد المدنيين في غوطة دمشق صيف ٢٠١٣، عن العمل الجدي بالمشاركة مع الحلفاء لاسقاط النظام، وافسحوا المجال امام الايرانيين والروس لتنفيذ هجوم مضاد في كل مكان بالتزامن مع تمدد تنظيم “داعش” على حساب فصائل المعارضة. ونشبت ازمة نصف صامتة بين أميركا وحلفائها. على هذه الخلفية دارت المشاورات مع الاميركيين والاوروبين في شأن سوريا، على اساس قراءة الرياض ان نظام الاسد والتدخل الايراني في المنطق يولد التطرف. بناء عليه، وافقت الادارة الاميركية على أن تقرن انطلاق الحرب ضد “داعش” ببرنامج لدعم فصائل من المعارضة “المعتدلة” وتدريبها لكي تكون جاهزة للحلول محل “داعش”، تمهيدا لاسقاط النظام، اما بتسوية وإما بالحرب.
في موازاة ذلك، كانت المشاورات تجري مع تركيا للانخراط في التحالف. في البداية استمهلت انقرة الحلفاء ريثما تحل مشكلة الرهائن الاتراك الخمسة والاربعين لدى “داعش”. ومع اطلاق الرهائن كان الوضع في المناطق ذات الوجود الكردي الوازن شمال سوريا يتدهور مع انهيار مناطق ما كان يسمى بـ”الكانتون الكردي”. وتساقطت عشرات القرى سريعاً وصولاً الى عين العرب (كوباني)، عندها بدأ التفاوض الجدي بين واشنطن والرياض التي طرحت شروطا لتدخلها العملي في الحرب، شبيهة بمطالبات الرياض. وزادت انقرة على الموقف السعودي بالاصرار على اقامة منطقة عازلة شمال سوريا يأوي اليها اللاجئون بأمان، ويتم تدريب الفصائل المعارضة فيها. وكان الهدف الاخير العمل على اسقاط نظام الاسد بإعتباره ولّادة التطرف والارهاب، فضلا عن كونه تسبب بقتل ربع مليون مواطن سوري. واستمرت المفاوضات على وطأة القتال الدائر في عين العرب وحولها، الى ان قبل الاميركيون بشروط انقرة، على ان يتم التدرج في تنفيذها. والبارحة اعلنت واشنطن ان انقرة وافقت على تدريب فصائل من المعارضة المعتدلة على اراضيها! وبذلك حصل نوع من التوازي بين الرؤيتين السعودية والتركية.
اليوم اكثر من أي وقت مضى، يفترض في الرياض وانقرة ان تذهبا ابعد في التنسيق، وخصوصا انهما تلتقيان حول قراءة واحدة تتلخص بضرورة التخلص من نظام الاسد، وتقليم أظفار الايرانيين.
التقاطع حاصل، والتنسيق يمكن ان يقوم على قاعدة تحييد الموقف من الوضع في مصر عن الازمة السورية.