لكل عهدٍ وزمنٍ دولة ورجال. الرئيس نبيه برّي هو أحد أبرز رجال هذا الزمن اللبناني المقيم منذ سنوات على شفير الهاوية.
الكثيرون من السياسيّين، والمرجعيّات، والقياديّين، وحتى الناس العاديّين، والمتابعين للتطوّرات اللبنانيّة الدراماتيكيّة الكوميديّة التراجيديّة، باتوا على اقتناع بأن وجود الرئيس نبيه برّي على رأس مؤسّسة مجلس النواب، وفي صميم اللعبة البرلمانيّة الجيوسياسيّة، يشكّل صمّام أمان ومصدر طمأنينة.
فالرجل أثبت جدارة ومهارة نادرتين في إدارة الأزمات على مختلف أنواعها وأحجامها، ومعالجتها بطرق سلسة، إن لم يكن في إمكانها أن تحيي فلا تميت.
دائم التفكّر نبيه برّي، ودائم البحث والأخذ والردّ، ينشد الاهتداء إلى حلول ومخارج من شأنها أن تخفّف وطأة العداء والتشنّج، إذا ما حالت ظروف قاهرة وعوامل خارجيّة وداخليّة صعبة دون تحقيق النجاح المنشود.
دائماً، وخصوصاً عند الحزّات والشدائد يفتّشون عن النبيه الذي انتُخِبَ رئيساً للاتحاد البرلماني العربي للمرة الثانية. وأحياناً يبحثون عنه بالفتيلة والسراج كونه أصبح ضالعاً في فنّ استنباط المخارج والحلول الموقتة للأزمات المعقَّدة، على طريقة الحوارات الضيقة نسبيّاً والموسَّعة كذلك… ما دامت الحلول الكاملة مستحيلة، أو ممنوعة في الوقت الراهن.
ليس من باب المبالغة، أو الإشادة المطلقة، قول بعضهم في مثل هذه الظروف اللبنانيّة الشديدة التعقيد والبشاعة، لو لم يكن الرئيس برّي موجوداً لوجب إيجاده. بل لتبليغ الآخرين إن لم تكونوا مثله فتشبّهوا.
يقلق البعض من القياديّين والمسؤولين حين يكون غائباً، ولو لأيّام معدودة. ولو لم تكن ثمّة أحداث أو مستجدّات سياسيّة توجب وجوده وحضوره.
لقد اعتاد البلد في هذه المرحلة المعقَّدة أن يكون رئيس المجلس في عين التينة بصورة دائمة. فوجوده يُدخل الارتياح والأمان إلى نفوس الكثيرين.
ليس سرّاً، أو جديداً، القول علناً هنا وفي الجوار، وحيث يُطرح الوضع اللبناني بكل تعقيداته، إن لبنان يعاني أزمة حادة على مستوى القيادات الفعّالة، والمرجعيّات التي يُركن إليها.
كما يعاني أزمة مسؤولين، ومتزعّمين جديين، ورجالات من ذوي القامات والحضور المميَّز. ولهذه الأسباب قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في أكثر من مناسبة إن لبنان لا يشكو من الفراغ الرئاسي، وفراغ المؤسسات الدستوريّة، وغياب الدولة فحسب، بل يشكو أيضاً ودائماً من فراغ الحكماء.
صحيح أن العالم كلّه تغيَّر، مثلما تغيَّر معيار القيادات ومتقلّدي المناصب الرئيسيّة في شتّى أنحاء المعمورة، إلا أن ما يعانيه لبنان في هذا “الحقل” المتناهي الدقّة يكاد يكون نادراً، بل هو في الواقع وقفٌ على البلد الصغير الذي كان مضرب مثل.