Site icon IMLebanon

امتعاض في 8 آذار: جعجع في «مطهر» الرابية

أن يربّت رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كتفَ رئيس التيار الوطني الحر النائب ميشال عون، في منزله في الرابية، ويتبادلا الابتسامات والخطب، ليست صورةً محبّبة بالنسبة إلى قوى 8 آذار، ولا لجمهورها طبعاً.

وليس بعيداً عن وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، اكتسب عون تعاطفاً كبيراً لدى جمهور المقاومة بكل تلاوينه على مدى السنوات الماضية، حين قدّم خطاباً يناقض أدبيات «الجبهة اللبنانية» لجهة العداء لإسرائيل، ويثبّت الاصطفاف الكامل إلى جانب المقاومة في حرب تموز وبعدها. وجاء تصالح عون مع دمشق، العمق الحقيقي للبنان، بعد خروج الجيش السوري من لبنان وقبل الأزمة السورية، لينزع عن «المسيحي الأقوى» رداء عداء المارونية السياسية التقليدي لسوريا.

غير أن لقاء أول من أمس بين «الجنرال» و«الحكيم»، لم يكن مفاجئاً لقوى 8 آذار وحزب الله، الذي «يثق بالجنرال وخياراته وخطواته»، كما يردّد مسؤولو الحزب ونوّابه على الدوام. فحوار عون ـــ جعجع، منذ لحظاته الأولى، يحظى بتفهّم الحزب حاجة عون للظهور كرجل دولة توافقي على الصعيد الوطني، وداخل المكوّن المسيحي نفسه، لتبديد حجج تيار المستقبل برفض عون لرئاسة الجمهورية.

وإن كان من غير الوارد، الآن، أن يوجّه أحد من حزب الله انتقاداً لتقارب عون ــ جعجع، على قاعدة أن «أي حوار بين اللبنانيين مفيد، والجنرال ما بينخاف عليه»، لا تبدو باقي مكوّنات 8 آذار تحت السقف ذاته.

لا يخفي نواب ومسؤولون في قوى 8 آذار من خارج حزب الله امتعاضهم من رؤية جعجع في الرابية، يعلن مع عون مزيجاً من شعارات متناقضة في «ورقة إعلان النوايا».

لتوقيت اللقاء، عشية 2 حزيران، رمزية كبيرة لدى هؤلاء، خصوصاً أن جعجع هو من اختار الموعد. ولا يهضم هؤلاء أن تكون الذكرى السنوية لاغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي مناسبةً ليذكّر الوزير فيصل كرامي اللبنانيين بأن العفو العام عن جعجع لا يلغي ارتكابه الجريمة، وفي الوقت نفسه، أن تكون الذكرى مناسبةً «لتبييض صفحة رئيس القوات من على منبر التيار الوطني الحرّ»، على الأقل أمام جمهور عون.

بعيداً عن التوقيت، تُجمع غالبية قوى 8 آذار، على أن «اللقاء يكسب جعجع أكثر ممّا يكسب عون بكثير». يقول هؤلاء إن «تذرع المستقبل لإبعاد عون عن رئاسة الجمهورية بعدم حصوله على توافق الأغلبية المسيحية حجّة واهية، لأن مشكلة المستقبل هي مع أي رئيس مسيحي قوي تربطه علاقة جيّدة بحزب الله». ويقول أحد السياسيين البارزين إن «تكريس جعجع في معادلة المسيحي القوي، هو بمثابة إعطائه شرعية لوراثة جزء من جمهور التيار في المستقبل، وتكريسه مرشحاً جدّياً وحيداً لرئاسة الجمهورية بعد عون». وينتقد المصدر المواصفات التي حدّدتها «ورقة إعلان النوايا» لرئيس الجمهورية، التي لم تشر إلى أنه «لا يحقّ للمرشّح أن يكون محكوماً بارتكاب جرم، ولو صدر عفوٌ بحقّه». وبدا لافتاً في الورقة بند «التمسّك بتطبيق اتفاق الطائف، والطائف هو صلب النقاش والخلاف المسيحي ـــ المسيحي تاريخياً وليس تطبيقه، وفي المرحلة المقبلة سيكون صلب الخلاف في الداخل اللبناني على وقع التحولات في المحيط».

وتلفت إحدى الشخصيات إلى ما قاله جعجع في مقابلته الأخيرة في برنامج «كلام الناس»، حين ذكر أن لديه «عناصر مستعدة لمساعدة الجيش»، ليتقاطع تصريحه مع بيان أصدره اللواء جميل السيد قبل أيام، قاصداً جعجع، عن أن «بعض الأطراف التي انغمست في الحرب الأهلية سعت إلى إعادة إحياء هيكليّتها العسكرية والأمنية والمخابراتية». ويشير المصدر إلى أن «تصريح جعجع يعني أن لديه ميليشيا جديدة، والجيش لديه خلل بالمسيحيين، فلماذا لا يتطوّع هؤلاء في الجيش بدل التدريبات العسكرية في معراب وغيرها؟»، مذكّراً بما قاله جعجع في وثائق ويكيليكس عن «تبرّعه بعشرة آلاف مقاتل لقتال حزب الله، في حال مدّه الأميركيون بالسلاح»، متسائلاً عن «موقف عون من تسلّح جعجع». وتسأل المصادر عن الموقف المشترك لعون مع جعجع في ما يخصّ أزمة المسيحيين المشرقيين، ومن ضمنهم اللبنانيون. في رأي هؤلاء «الورقة ينقصها البعد الاستراتيجي»، ففي ظلّ ما يحدث في المنطقة من تحوّلات، «لا تملك أي رؤية لمستقبل لبنان، وبدت كمن يهتم بأثاث المنزل، لا بالمنزل المهدّد. وماذا يبقى من الورقة حين يطرق التهديد الوجودي أبواب لبنان؟ وأين سيكون جعجع؟».

صورة الرابية أول من أمس، تذكّر الكثيرين من قوى 8 آذار، بزيارة جعجع لقصر بعبدا ولقائه عون، عشية حرب الإلغاء مطلع 1989.