لم يترك رئيس الجمهورية مناسبة الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين للاستقلال تمر من دون أن يعبّر عن امتعاضه من تصرف حزب الله الذي أدى إلى تأخير تشكيل الحكومة بعدما كانت جاهزة لإصدار مراسيمها بعدما تمّ التوصّل إلى حلحلة كل العقد التي كانت تعترض هذا التشكيل، فأعرب في كلمته التي وجهها الى اللبنانيين عن استيائه من التأخير الحاصل في تشكيل الحكومة وكان يقصد بذلك العقدة التي ابتدعها الحزب في اللحظات الأخيرة وربط تسمية وزرائه بالاستجابة إلى طلبه، وهي كما بات معروفاً عقد تمثيل النواب السنة الستة من خارج تيّار المستقبل في الحكومة العتيدة، وعدم التنحي عن هذا الشرط مهما تأخر تشكيل الحكومة.
هذا الامتعاض الذي عبّر عنه الرئيس عون في عيد الاستقلال الخامس والسبعين، يعكس مدى عمق الأزمة بينه وبين الحزب رغم كل ما يقال عن أن رئيس الجمهورية لا يُمكن أن يتخلّى عن تفاهم مار مخايل الذي أمّن له الوصول إلى رئاسة الجمهورية ولو أدى ذلك إلى إسقاط التسوية الرئاسية التي شارك فيها الرئيس المكلف بالرغم من كل النصائح التي سمعها من الأصدقاء المحليين والاقليميين، وهذا معناه أن التواصل بين الرئيس عون وحزب الله مقطوع منذ التصريح الذي صدر عنه بعدما تلقى شرط الحزب للقبول بالاشتراك في الحكومة ووصفه في حينه بأنه كان خطأ في التكتيك وليس في الاستراتيجية، وعبّر عن رفضه له عندما أوضح للبنانيين بأن النواب السُنّة الستة لا يشكون لا حيثية سياسية ولا كتلة نيابية بل ان أربعة منهم ينتسبون إلى كتل نيابية شاركت في الاستشارات التي جرت في القصر الجمهوري وفي المشاورات التي أجراها الرئيس المكلف مع كتلها الممثلة في الحكومة المقترحة.
وقد جاء موقف الرئيس عون بعدما تأكد من أن حزب الله متمسك في تعطيل تشكيل الحكومة رغم معرفته التامة بأن أي تأخير في التشكيل يتم على حساب عهده، ومشاريعه الإصلاحية التي وعد اللبنانيين بها بعد تشكيل حكومته الأولى، ولوحظ ان الرئيس عون ركز في كلمته بمناسبة عيد الاستقلال على هذه المشاريع وأفاض في شرحها بدءاً من معالجة الوضع الاقتصادي المتهاوي وصولاً إلى محاربة الفساد والمفسدين الذين يتشاركون في نهب البلد، وفي إيصال الدين العام إلى حدود المائة مليار دولار أميركي، مما يعني أن الواقعة بينه وبين الحزب قد حصلت رغم ما يقال في بعض الأوساط بأن تفاهم مارمخايل ما زال ساري المفعول بدليل ما صرح به الوزير جبران باسيل بعد زيارته إلى الأمين العام للحزب، وقبل تحركه كوسيط بين الرئيس المكلف والنواب السُنّة الستة، همّه الوصول إلى تسوية ما ولو كانت على حساب التوازن الذي يحرص عليه الرئيس المكلف.
باختصار فإن ما عبر عنه الرئيس عون من امتعاض نتيجة قرار حزب الله بالانقلاب على التسوية الرئاسية وطرحه عقدة تمثيل السُنّة معناه ان الأزمة الوزارية ازدادت تعقيداً أو انها أصبحت امام حائط مسدود وتحتاج إلى معجزة إلهية لإعادة المياه إلى مجاريها ولو عاد الرئيسان عون والحريري إلى العمل على تأليف الحكومة من نقطة الصفر.
وبمعزل عمّا إذا كان الرئيس عون ممتعضاً من تصرفات حزب الله الأخير، أو لم يكن في مثل هذا الوارد استناداً إلى المسار الذي يسلكه رئيس التيار الوطني جبران باسيل والذي يتعارض إلى حدّ كبير مع ما صدر عن رئيس الجمهورية فيما يختص بحيثية النواب السُنّة الستة، يبقى الرئيس المكلف خارج هذا الإشكال، وغير معني ما دام انه وضع تشكيلة حكومته بالتشاور والاتفاق مع رئيس الجمهورية الذي يبقى محتماً عليه ان يحل ما تبقى من إشكالات تعترض إصدار مرسوم التأليف.