بعد المباحثات والمفاوضات الطويلة التي أجريت بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، لإغلاق صفحات الماضي، وفتح صفحة جديدة من التفاهم والتعاون بين حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، والتي حملها وتحمّلها النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز الاعلام والتواصل ملحم رياشي، اصبح جعجع، على ما اعتقد، اكثر السياسيين فهماً وتفهّماً لمواقف الرئيس عون، والتي تثير بين الحين والآخر جدلاً او نقزة او رفضاً لهذه المواقف، عند البعض، لكنها عند جعجع تواجه بروحية المتفهّم لظروف هذه المواقف، فيقاربها بكثير من الهدوء وعدم التشنّج، ويعبّر عن معارضته لها بوضوح، ولكن برغبة من يريد المحافظة على التفاهم الذي حصل بين الرجلين والحزبين، وافضل مثل على ذلك ردّة فعل جعجع الهادئة، على حديث الرئيس عون للفضائية المصرية، حول حزب الله وسلاحه، والذي أثار وما يزال يثير العديد من التعليقات الرافضة لموقف عون، وكان آخرها ما أثاره الوزير نهاد المشنوق في جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، وعلى الأرجح كان يعبّر عن موقف تيار المستقبل ورئيس الحكومة سعد الحريري، عندما تحفّظ على سياسة لبنان الخارجية، معتبراً ان سلاح حزب الله، ومقاومة الاحتلال هما جزء من الاستراتيجية الدفاعية، ولم يحصل عليها بعد اي اتفاق.
اللافت ان الرئيس عون تقبّل الانتقاد بكثير من رحابة الصدر، وان صحيفة «القبس» الكويتية، نقلت اجواء من قصر بعبدا، تفيد بأن عون مقتنع بأن ارتباط لبنان بالعالم العربي، وفي شكل خاص السعودية ودول الخليج هو اولوية مطلقة لدى الحكم، وسبق لوزير الخارجية جبران باسيل وأكّد هذا الموقف منذ اسبوع، ومن المؤكد ان يحمل معه الرئيس عون هذا الموقف الى القمة العربية التي سوف تنعقد في العاصمة الاردنية في 29 الشهر الجاري، حيث من المنتظر ان يلتقي الملوك والرؤساء العرب المشاركين في القمة ويعرض معهم العلاقات العربية – اللبنانية التي يفترض ان تكون على أفضل حال، تشبّهاً بموقف المجتمع الدولي الذي يتفهّم وضع لبنان الصعب في الظروف الحالية القائمة، علماً بأن زيارة العاهل السعودي الملك سلمان، لبنان، قد تتمّ قبل انعقاد مؤتمر القمة، واذا حصل ذلك فان عقبات عديدة قد تزول بين لبنان والسعودية ودول الخليج.
* * * * *
في عودة الى جلسة مجلس الوزراء يوم الاربعاء الماضي، والتعيينات العسكرية والقضائية التي انجزت واعلنت سريعاً ومن دون معارضة، ولكن مع كثير من التحفّظ على طريقة عرض الاسماء، وعدم اطلاع معظم الوزراء على الأسماء المقترحة، الاّ خلال انعقاد الجلسة، بدا واضحاً ان اربعة اطراف كانت على اطلاع مسبق بالاسماء، هي التيار الوطني الحر، تيار المستقبل، حركة أمل، وحزب الله، وجاء تحفظ وزراء القوات اللبنانية والاشتراكي والمردة، ليكشف مرة اخرى ان «الرباعي» الذي كان يطبخ قانون الانتخابات النيابية منذ فترة، والذي مات قبل ان يولد، ما زال هو ذاته الذي يحضّر ولائم طبخات العهد، بمعزل عن طباخّي الكتل والاحزاب الاخرى، التي ما زالت حتى الآن تتمتع بحق التحفظ، وليس بحق النقض الفيتو، الذي تتمتع به القوى الاربع.