يُفترض بأسعار الفوائد المنخفضة تسريع وتيرة النمو الاقتصادي. ويقول بعض خبراء الاقتصاد ان العكس صحيح، اي ان انخفاض أسعار الفوائد بشكل حاد، يمكن ان يُثني المصارف عن تقديم القروض.
بعد ابقاء أسعار الفوائد قريبة من الصفر ولعدة سنوات، انتقل البنك الفدرالي الى زيادة اسعار الفوائد سيما بعدما تأكد ان اسعار فوائد منخفضة قد لا تأتي بالنتائج المرجوة. وتأثير زياده اسعار الفوائد واضحة للجميع سيما من النواحي التالية:
-1 ارتفاع تكاليف الاقتراض بالنسبة للشركات والمستهلكين والحكومات.
-2 تحسين عائد المدخرات.
-3 احتمال تدهورالميزان التجاري لاسيما وان الصادرات تصبح أكثر كلفة.
يعتبر ارتفاع اسعار الفوائد الأميركية ذا أهمية كبرى على الاقتصاد العالمي، وهذا يعني حتما ان الولايات المتحدة قد تشهد زيادة حادة في الطلب على الأرصدة الدولارية، وكثير من الاسواق الناشئة اقترضت بالدولار مما يعني زيادة تكلفه الدولار لتسديد الديون وارتفاع الدولار سوف يجعل الصادرات الصينية ذات قدرة تنافسية اكبر الامر الذي قد يشجّع المزيد من سياسات ترامب الحمائية ضد الصين، والتي من شأنها ان تؤدّي أيضاً الى اعمال انتقامية.
بعد انقضاء عقد من الزمن تقريباً، يبدو ان سياسات الطوارئ التي اعتمدت في العام 2009 وما تلاها من النقاهة الطويلة، أوشكت على النفاد. وللعلم، لم تعط النتائج المتوقعة سيما وان النمو كان أبطأ بكثير مما كان متوقعاً. وتوقّع ارتفاع التضخّم الذي يسمح للمصارف المركزية بأن تعود الى سياسات اسعار فوائد طبيعية لم يحدث. لذلك، نرى ان الولايات المتحدة بدأت تستعيد عافيتها ولو ببطء، بينما اوروبا واليابان تترنحان بفوائد صفرية واسعار تضخم لم تصل بعد الى مستواها المرجو. وقد يكون السؤال ما الذي حدث وكيف يمكن لأسعار الفوائد الأميركية ان تؤثر على العالم، وكيف سيكون مردود ارتفاع الفوائد على الاسواق العالمية.
عندما نلقي نظرة الى الوراء، نرى انه وبسبب اسعار الفوائد المنخفضة تاريخياً، واصلت أسعار الاصول المالية حول العالم الارتفاع الى معدلات قياسية في العديد من الفئات والسندات والعقارات، واتخذت العديد من الحكومات والمصارف المركزية اجراءات تهدف الى لجم ارتفاع اسواق العقارات وهذا بالواقع ما استخدمته هونغ كونغ الصينية وسنغافورة. اليوم، بدأت اسعار الفوائد ترتفع في اميركا، ومن المتوقع ان ترتفع بمقدار 75 نقطة اساس هذا العام، حسب الآراء. وتشير البيانات الى انها قد ترتفع اكثر لأن الضغوط التضخمية باتت وشيكة من ان تعطي النتائج المرجوة في الولايات المتحدة الأميركية. وسوف يؤثر هذا الارتفاع عالمياً سيما وان بلدانا كثيرة تتأثر بدرجة كبيرة في الولايات المتحدة وعلى سبيل المثال فان معظم البلدان في منطقة اسيا والمحيط الهادئ (ربما باستثناء اليابان) ترقص بتناغم تام مع الاقتصاد الاميركي وأسعار الفوائد فيه.
سنغافورة على سبيل المثال، لديها منهجية خاصة في تلازم عملتها مع الدولار الأميركي والحقيقة في البيئة الحالية، من المستبعد ان لا يحقق ارتفاع اسعار الفوائد في الولايات المتحدة زيادات في اسعار الفائدة في الاقتصاديات الكبرى في هذه المنطقة وقد تكون هونغ كونغ وعملتها الاكثر تأثراً.
يبقى القول ان اقتصاديات سنغافورة وغيرها من دول المنطقة ستتأثر حتماً. وإذا ما نظرنا الى الاقتصاد في باقي الدول سيما في المنطقة الأوروبية، نرى حتما ان عملية التيسير الكمي التي حصلت ولا تزال شارفت على نهايتها ولا بد ان يشهد العام 2019 بدء مرحلة ارتفاع ولو جزئيا في اسعار الفوائد، علما انه ولغاية الان، جاءت النتائج مخالفة ولم تعط الحلول المرجوة. اذ كان النمو بطيئا وتوقع ارتفاع أسعار التضخم بقي دون المرجو والمنتظر. وإذا ما نظرنا ابعد من ذلك وفي العام 2019، قد لا يكون ارتفاع اسعار الفوائد مقلقا بقدر ما سوف يكون احتمال انخفاضها من جديد واحتمال حصول ركود في الولايات المتحدة.
رغم ان اسعار الفوائد إيجابية، لكن بشكل غير عادي، مما يعني ان الاسواق لا تتوقّع ارتفاعا حادا في التضخّم يبرر ارتفاع اسعار الفوائد، وهذا يعني ان حصول ثلاثة ارتفاعات متتالية في اسعار الفوائد الأميركية هي كل ما سوف نحصل عليها عالمياً، وخير دليل على ذلك قد يكون السندات والتي هي عادة دليل أفضل للتوقعات المتوسطة الاجل للاقتصاد منها اسواق الاسهم واسواق السندات الأميركية. وهي تحذرنا من انخفاض وشيك في المسار الصحيح. هذا هو المشهد العالمي اليوم لأسعار الفوائد. ولا يمكن القول ان الجميع متفائلين في شأن الاقتصاد ودعم معدلات فوائد اعلى، ويسوّق لذلك المشككون في ان التضخم لا يزال دون 2% ( 1.6 بالمائة). أما اوجه الضعف الهيكلية في الاقتصاد، فانها تجعل الشركات والمستهلكين غير محصّنين حيال ارتفاع اسعار الفوائد. وعلى سبيل المثال Paul Krugman يقول انه قد يكون من الافضل التعاطي مع سياسات تضخميه مرتفعة كونه ومنطقياً عندما يكون التضخم مرتفعاً من السهل نسبياً الحد منه من خلال تشديد السياسات النقدية، ولكن اذا ما كان الانتعاش ضيقا هناك حظوظ أقل في المناورة والسياسات التوسعية.
في لبنان، تعتمد سياسات البنك المركزي خطة وقائية بإمتياز تتعاطى مع اسعار الفوائد العالمية بشكل جانبي مختصر على العمليات المالية اما فوائد الادخار فهي محض حمائية لليرة اللبنانية، وللمصارف حرية كاملة في رفع فوائدها على العملة دون اي تأثر بأسعار الفوائد العالمية الامر الذي يعني اننا نشجع سياسة الادخار على حساب الانتعاش الاقتصادي. وقد يكون ذلك سببا في تراجع النمو والاستثمار، متجاوزين بذلك آراء المؤسسات الدولية ونظرتها المتشائمة الى الوضع في لبنان.