IMLebanon

“التوطين” خطير .. والأخطر: “التفجير”!

 

 

خلاصة التقييم لـ» ورشة المنامة»، انّها انتهت الى نتائج لم تلامس الحدّ الأدنى من سقف التوقعات الأميركية، حيال التسوية الأميركية المطروحة للشرق الأوسط تحت مسمّى «صفقة القرن». إذ بدت هذه الورشة أشبه بحفلة علاقات عامة لا أكثر.

 

بحسب هذا التقييم، الذي جرى عرضه في مجلس سياسي، انّ ما خرج عن «ورشة المنامة»، التي جاءت من قِبَل مهندس الصفقة جاريد كوشنير، كمحاولة للالتفاف على الفشل السياسي من بوابة الاقتصاد، لا يبشّر بالخير لدى صهر العهد الترامبي. فالرؤية الاقتصادية الخاصة بـ«صفقة القرن»، والتي تقع في 100 ورقة، بتكلفة 50 مليار دولار، لا يبدو أنّها ستحصل على التمويل الكافي، وهو ما أقرّ به، ضمناً، المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي تحدّث عن «نيّة» لعقد مؤتمر مخصّص لجمع التمويل اللازم للصفقة، في حال تعطّل الإعلان عن مرحلتها الثانية، والتي تشمل الجانب السياسي».

أهمّ ما في هذا التقييم، هو الكلام المباشر عن صفقة فاشلة لن تحقق المرجو منها، تبعاً للآتي:

 

ـ أولاً، إنّ «صفقة القرن» واحدة من معارك الرئيس الاميركي دونالد ترامب الخاسرة في السياسة الخارجية لولايته الرئاسية الأولى ـ وربما الأخيرة ـ خصوصاً أنّ ثمة عوامل كثيرة تدفع في اتجاه الفشل، ليس بسبب رفض الفلسطينيين، أو بعض العرب، لما سُمّيت خطة السلام الأميركية في المنطقة، فحسب، بل بسبب غياب الإجماع الدولي عليها.

 

ـ ثانياً، إنّ المشهد العام المتصل بـ«صفقة القرن»، يؤكّد أنّها بعيدة كل البعد عن التنفيذ. وهو ما حدا بأحد المعلّقين الإسرائيليين إلى وصفه بأنه «صفقة على الورق».

 

ـ ثالثاً، انّ الإطار العام للصفقة، يؤكّد انّها أقلّ بكثير من التسويات المعروفة في النزاع العربي ـ الإسرائيلي، مثل اتفاقية «كمب ديفيد»، التي مكّنت مصر في نهاية المطاف من استعادة أرضها، أو اتفاقية «وادي عربة»، التي حصلت بموجبها الأردن على ضمانات سياسية خاصة، أو حتى إتفاقية «أوسلو»، التي مكّنت الفلسطينيين من الحصول على سلطة ذاتية موقتة في انتظار الحل الشامل. لكنّ الحديث اليوم يجري عن اتفاقية بشروط مذلّة، تشمل التخلّي عن أراضٍ، والتنازل عن حق الفلسطينيين بالعودة، وهو ما يفسّر الإجماع الفلسطيني النادر على رفض الصفقة.

 

ـ رابعاً، إنّ الغطاء الإقليمي والدولي لـ«صفقة القرن» يتراوح بين الرفض التام والفتور، خصوصاً أنّ الخطة المقترحة تأتي لتنسف كل الأسس التي قامت عليها مفاوضات التسوية، بجولاتها الناجحة والمتعثرة، والتي تختزل بعنوان «حلّ الدولتين». هذا الموقف يبدو واضحاً عند الأوروبيين، في حين يقترب من درجة «الفيتو» عند الروس والصينيين.

 

ـ خامساً، إنّ ثمة إحجاماً مصرياً وأردنياً عن منح التسهيلات التنفيذية التي تتطلبها «صفقة القرن»، مع العلم أنّ مصر والأردن لهما دور جوهري في إنجاح الصفقة أو فشلها. فعلى مصر ان تعطي أرضاً في سيناء، وعلى الأردن ان يفتح باب التوطين لمليوني فلسطيني، وأن يراجع نظامه السياسي ليصبح بمثابة الوطن البديل.

 

ـ سادساً، إنّ التناقض يبدو كبيراً في موازين القوى بين المعسكر المؤيّد للصفقة والمعسكر الرافض لها. بالنسبة إلى الفريق الأول، فإنّه يرتكز على ثلاثة أطراف: دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو وبعض العرب، وكل من هؤلاء يعاني من إخفاقات استراتيجية كبيرة. فالأول محاصر من خصومه الداخليين قبل عام ونيّف من انتخابات الرئاسة، والثاني ملاحق بتهم الفساد والإرباكات السياسية الداخلية، التي لن تُحسم قبل انتخابات الكنيست المرتقبة في الخريف المقبل، وأمّا الطرف العربي فغارق بأزمات في داخله ومع محيطه ويقف عاجزاً أمام تنامي النفوذ الإيراني.

 

اما في المقابل، فيبدو المعسكر الرافض لـ«صفقة القرن» أكثر قوة وتماسكاً. فالتطورات العسكرية في سوريا، واشتداد عود الحوثيين في اليمن، جعلاه أكثر قدرة على اتخاذ زمام المبادرة، في وقت أتت الصفقة الأميركية المقترحة لتوحّد كافة فصائل هذا المعسكر، بعد النزاعات الصغرى والكبرى التي شهدتها العلاقة في ما بينها في مرحلة ما سُمّي «الربيع العربي».

 

عموماً، كما يلحظ هذا التقييم، فإنّ الدول العربية المعنية مباشرة بتداعيات «صفقة القرن»، تدرك المخاطر المترتبة على إمكانيات نجاحها، وهو ما رصدته مداخلات باحثين في ندوة استضافها أحد المراكز البحثية في بيروت قبل أيام، حيث يمكن تلخيص مخاطرها على تلك الدول، بالترتيب التنازلي على النحو الآتي:

 

ـ أولاً، من المنطقي القول إنّ الفلسطينيين هم المتضرر الرئيسي من «صفقة القرن»، ومن هنا يمكن فهم الموقف الفلسطيني الموحّد الرافض لها بنحو قاطع.

 

ـ ثانياً، الأردن سيقع عليه العبء الأكبر، الذي يقارب الخطر الوجودي، لكونه «الوطن البديل» المحتمل للفلسطينيين.

 

ـ ثالثاً، مصر ستكون مضطرة الى تقديم كثير من الأثمان، التي تتجاوز التخلّي عن بعض من أراضيها في سيناء، لتصل إلى احتمال توطين عدد كبير من الفلسطينيين على أرضها.

 

ـ رابعاً، لبنان سيكون مستهدفاً بالصفقة بالتأكيد، لكنّ المفارقة تكمن في أنه ربما يكون الأقل تضرراً، قياساً إلى الدول الأخرى، بالنظر إلى تحوّلات ديموغرافية غير منظورة على البيئة الفلسطينية في أراضيه، والحساسيات المتصلة بالتوازنات الديموغرافية والطائفية المعروفة فيه، والتي لا يبدو أن ثمة قراراً دولياً بكسرها.

 

هذا التقييم الخاص بلبنان يمكن رصده في الإطار العملي، المتجاوز للإطار البحثي النظري. فالمناخ العام في المخيمات الفلسطينية يجعل ساكنيها يختارون الرحيل عن لبنان إذا ما قُدّر لهم ذلك، سواء كان ذلك إلى فلسطين أو إلى الخارج، وذلك بالنظر إلى افتقار الفلسطيني المقيم في لبنان إلى الحد الأدنى من الحقوق المدنية، وهو ما يفسّر بدرجة كبيرة تناقص أعداد الفلسطينيين في البلاد من 300 – 400 ألف (بحسب إحصاءات غير رسمية) إلى 180 ألفاً (بحسب إحصاء رسمي كشفت لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني عن نتائجه قبل أشهر قليلة).

 

لذلك، فإنّ حديث جاريد كوشنير، عن حصة لبنان من الاستثمار الاميركي في «صفقة القرن»، والبالغة 6 مليارات دولار، مخصصة لتحسين اوضاع الفلسطينيين على أراضيه، يمثل ذراً للرماد في العيون، وذلك لسببين، أولهما أنه يتناقض مع التوجّه العام لإرغام الفلسطينيين على مغادرة لبنان طوعاً، من خلال تضييق الخناق الاقتصادي عليهم. والثاني، انّ المليارات المقترحة لا تكفي لتنفيذ مخطط كبير متّصل بتوطين اللاجئين ودمجهم في البيئة اللبنانية بشكل كامل، إلا إذا كان الحديث يدور عن توطين بضعة آلاف، يأخذ في الحسبان التوازنات الطائفية المعروفة.

 

انطلاقاً من ذلك، فإنّ الخطر الحقيقي على لبنان من بوابة «صفقة القرن» لا يكمن في الأساس بالمستوى المتصل بالتوطين ـ الذي أجمعت كل القوى السياسية على رفضه انطلاقاً من العقد الاجتماعي المكرّس دستورياً ـ وإنما في احتمالات أن يكون تفجير الوضع الداخلي في لبنان، سواء بفتن داخلية أو بحرب إسرائيلية، بوابة لإمرار الصفقة الأميركية، في حال تعثر إمرارها بالمؤتمرات الاقتصادية والحراكات السياسية، خصوصاً أنّ للبنان تجارب كثيرة في هذا الإطار، حين يتعلق الأمر بإمرار الصفقات الإقليمية الكبرى… لعلّ أقرب أمثلة على ذلك، ما جرى عام 1975، حين التهى العرب بحرب لبنان لإمرار اتفاقية سيناء وبعدها كمب ديفيد، وما جرى عام 1982، حين تحوّل الاجتياح الإسرائيلى الأساس الذي بُني عليه المسار اللاحق الذي قاد إلى أوسلو.