IMLebanon

“التوطينوفوبيا” اللبنانية

توجّس بعض المسؤولين اللبنانيين من تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون عن “التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين” عبر العالم. حاول سياسيون تصويره “مؤامرة” ترمي في بعض استهدافاتها الى توطين اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان. استثمروا في خوف قديم من خلل يمكن أن يصيب “التركيبة اللبنانية”.

لعل أسوأ ما في هذا الخوف من التوطين والتجنيس “التوطينوفوبيا” و”التجنيسوفوبيا” أنه يمكن أن “يُضَيِّع” فرصة مهمة لمساهمة لبنانية جدية في نقاشات دولية في شأن التعامل مع المظاهر الحديثة للهجرة واللجوء عبر العالم. يعد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة “بأمان وكرامة: التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين” خريطة طريق غير نهائية تتضمن توصيات لمؤتمر دولي تستضيفه نيويورك في أيلول 2016.

انبثق الحديث عن استراتيجيات جديدة للتعامل مع المهاجرين واللاجئين من التزايد المطرد لهؤلاء. وصل عدد المهاجرين عبر العالم الى 244 مليوناً عام 2016. وفي عام 2014، أفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن عدد اللاجئين وصل الى 14,4 ملايين. وهناك 5,2 مليونان من اللاجئين الفلسطينيين الإضافيين المسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى “الأونروا”.

غير أن الأخطر هو ما ظهر خلال السنوات الاخيرة بسبب النزاعات والفقر في أفريقيا والشرق الأوسط. أخرجت الحرب السورية نحو خمسة ملايين انسان في اتجاه لبنان والأردن والعراق وتركيا. واجهت أوروبا تدفقاً لا سابق له منذ عقود. عقدت الحكومات الأوروبية اتفاقات مع نظيرتها التركية لاقناعها بإبقاء حدودها مفتوحة للاجئين ولجم هذا التدفق في اتجاه أوروبا. أدت الفوضى الليبية الى انتشار عصابات الجريمة المنظمة للإتجار بالبشر وتسفيرهم. صار البحر الأبيض المتوسط مقبرة للهاربين من جحيم الشرق الأوسط ومن أفريقيا. يتطلع الأوروبيون الى وقف هذه المأساة.

شهد الشرق الأقصى تحركات مشابهة للمهاجرين واللاجئين. يحتاج العالم الى استراتيجيات جديدة. لبنان معني بالمشاركة في هذا النقاش على الأقل لأن اللبنانيين استوطنوا كل بقاع الأرض تقريباً. يمكن إثارة “الخصوصية” اللبنانية في ما يتعلق باستقبال المهاجرين واللاجئين والساعين الى الإستيطان في لبنان، علماً أن أفراد المجتمع الدولي يدركون ويتفهمون تماماً هذا الحساسية اللبنانية. على رغم أن المسيحيين اللبنانيين هم الأكثر خوفاً، من الواضح أن شيعة لبنان سيقاتلون من أجل منع التوطين أو التجنيس لأن ذلك يمكن أن يكسر التوازن الديموغرافي بصورة جوهرية لمصلحة السنّة.

حرصت الأمم المتحدة على توضيح مهم: أمام اللاجئين خياران: العودة الآمنة الى بلدهم الأصلي، أو الحصول على إقامة كريمة في البلد المضيف – وهنا بيت القصيد – أو في بلدان أخرى. ينبغي عدم الإستعجال لأن لبنان ليس هدفاً للتوطين والتجنيس.