إذا كانت وفاة والدة الرئيس تمّام سلام قد أجّلت بعض المواعيد المستحقة، كجلستي الحوار الوطني ومجلس الوزراء، فإن رئيس الحكومة الذي اعتذر كذلك عن عدم رعاية مؤتمر اتحاد المصارف العربية أمس لم يغير حرفاً في كلمته المكتوبة التي تلاها باسمه وزير البيئة محمد المشنوق، وسجل فيها موقفا متقدماً من أداء وزير الخارجية جبران باسيل وإثارة مسألة توطين اللاجئين السوريين في لبنان، وهو ما أظهر بوضوح أن هذا الملف الذي أثاره باسيل بالتناغم مع حملة إعلامية في الوسائل القريبة من “حزب الله”، لم يطو ولن يطوى قبل أن تتبلور حيثياته وخلفياته، رغم أن كلام سلام في “الفينيسيا” أمس سعى الى وضع حد للسجال الدائر عندما جدد التأكيد أن التوطين غير وارد وغير مطروح، متهماً باسيل من دون ان يسميه بالاساءة الى علاقات لبنان الدولية، وبالتعامل مع “الاولويات الوطنية من منطلق حملة إنتخابية لا تنتهي ومزايدات كلامية تفاقم الازمة”.
وفيما تتنافس كل من تركيا والأردن على الاستئثار بحصة الأسد من الدعم المالي الدولي المقرر للدول المتضررة من أزمة اللاجئين السوريين، تُغرق بعض القوى لبنان في سجالات سياسية داخلية حول جدوى هذا الدعم للبلاد، طارحة تساؤلات وشكوك حيال النيات المبطنة للأسرة الدولية من تقديمها الأموال تحت عنوان تحسين ظروف حياة اللاجئين في المجتمعات المضيفة ومساعدتهم على الانخراط في هذه المجتمعات، بما يؤكد لهذه القوى أن الانخراط المشار اليه لا يعدو كونه دعوة صريحة لإقامة دائمة مقرونة بخيار العودة الطوعية والآمنة.
قد تكون الهواجس التي تثيرها هذه القوى حيال وجود نية مبطنة لدى الغرب لتوطين اللاجئين السوريين في لبنان في محلها، ولها ما يبررها خصوصا في ظل الكلام عن مشروع تقسيم سوريا من ضمن مشروع متكامل لتقسيم المنطقة، وما يعنيه من تغيير ديموغرافي مذهبي سيكون للبنان حصة فيه. وان يتم ربط الدعم الدولي بهذا المشروع له ما يفسره، ولكن أن يرفض لبنان الدعم بسبب وجود مثل هذه النية ليس له ما يبرره لسببين: الاول أن لبنان في أمس الحاجة الى الدعم المشار إليه تحصينا لصموده وتماسك اقتصاده ومجتمعه في وجه التداعيات السلبية للجوء، وخصوصا أن هذا الدعم قد يعوض بعضا مما خسره لبنان جراء فتح حدوده أمام اللاجئين، والثاني إن التخوف من التوطين يجب أن يكون مستندا إلى إثباتات ووثائق تؤكد جدية هذا المشروع، وإذا كان حصل نقاش في شأنه مع السلطات اللبنانية، وإذا كان السوريون اللاجئون اليوم إلى لبنان يستجيبون لرغبة الغرب في البقاء في لبنان وعدم العودة الى بلادهم متى استعادت أمنها واستقرارها وحاجتها إلى سواعدهم (باعتبار أن غالبية القوى السورية العاملة في لبنان تتوزع على قطاعي الزراعة والبناء). ذلك ان قرار التوطين لا يمكن ان يكون دوليا وأن يطبق من دون أن يقابله تجاوب من السوريين واللبنانيين الذين تعود اليهم الكلمة الفصل في هذا الشأن.
يبدو رئيس الحكومة منزعجا جدا من إدارة السياسة الخارجية للبنان، القائمة على منطلقات انتخابية ومزايدات سياسية، ويرى انه “من المعيب للبنان ان يطلب المساعدة لتحمل عبء النازحين، ثم نشكك في نيات حاملها وننتقده”. وهذا الكلام يستدعي التذكير بورقة لبنان الرسمية الى مؤتمر لندن التي كان لوزارة الخارجية حيز مهم منها من خلال المقترح الذي تقدم به باسيل وتبنته الحكومة في الورقة، ويتعلق بمشروع “STEP” الذي يطلب تمويلا دوليا للمساعدة على إنشاء شركات صغيرة ومتوسطة الحجم لدعم الاقتصاد تشترط توظيف 60 في المئة من اللاجئين، في مقابل 40 في المئة من اللبنانيين لعقود تمتد ثلاث سنوات، على ان يودع الموظفون السوريون 8 في المئة من رواتبهم في حسابات خاصة لا يتم سحبها الا عند المغادرة. ويبلغ الدعم المطلوب على شكل هبات لهذا المشروع 280 مليون دولار على مدى 5 سنوات، منها 60 مليوناً للسنة المقبلة.
وفي رأي مصادر سياسية أن مثل هذا المشروع، الذي يؤمن الاقامة للسوريين لثلاث سنوات على الاقل، يناقض مخاوف باسيل – صاحب المشروع – من التوطين. علما ان هذه المصادر تؤكد أن خطة الحكومة الرامية الى تأمين التعليم وفرص العمل للسوريين تهدف الى منع هؤلاء من التفلت في الشوارع كما هو حاصل حاليا، والتسبب بأعمال مسيئة الى الأمن والاستقرار في البلاد، في ظل معطيات حكومية تشير الى أن 30 في المئة من الجريمة في لبنان أبطالها سوريون.
وعليه، يسأل سلام محدثيه: “هل لدى أحد فكرة او مقترح لإبعاد التوطين إذا وُجد؟ وهل المطلوب ان نترك السوريين بلا فرص عمل يرتزقون منها او بلا علم حتى لا يقال إننا نوطن؟”