بعيداً من الصراع السياسي الذي يمكن ان يقسم اهالي زحلة انتخابيا، فان التقاءهم على المصلحة العليا لمدينتهم ، وحول صحتهم الجسدية، والنفسية لاحقاً، يجب ان يصير واجبا يعلو ولا يعلى عليه. اما اذا ارادوا ان يكرسوا انقسامهم امام التحدي الجديد والكبير، فانهم يرسمون انهزامهم امام الجشع المالي الذي لا يقيم وزنا للانسان، وهو يمتد من اعالي ضهر البيدر وصولا الى المدينة التي كانت “عروس البقاع”، وقد تتحول قريبا الى “مركز سرطان البقاع”.
الاغنية التي حفظناها “زحلة يا دار السلام، فيك مربى الأسودي” (نسبة الى عنفوان الاسد وشجاعته)، تواجه اليوم تحدي اثبات هذا العنفوان برفض تحويل زحلة مركزا للتلوث ومصدرة له. والاحزاب الناشطة في المدينة مدعوة الى ان تحترم حياة ناخبيها، لان من حق هؤلاء الحياة الوافرة الهانئة، لا ان تفيد منهم في اصوات الاقتراع، وان تنأى بنفسها عن مصلحتهم العليا.
واذا كان آل فتوش هرّبوا قرارهم في غفلة، فإن الحكومة مطالبة بتحقيق المصلحة الوطنية، لا المضي وفق مستندات فقط، وهي مستندات سليمة لا تشوبها شائبة، وللنائب نقولا فتوش باع طويل في الفذلكات القانونية بما له من علم وتبصر في هذا المجال.
لكن المصلحة العليا لا تتحقق من خلال الاوراق فقط، وهذا يعيدنا بالذكرى الى القرار القضائي بتعويض آل فتوش عن اقفال الكسارات في ضهر البيدر مدة سنتين. يروي وزير سابق ان الارباح المصرح عنها قبيل الاقفال كانت توازي الصفر، وتعويض الصفر يكون صفرا، لكن القاضي الذي كان على وشك التقاعد آنذاك، اتخذ قراره على عجل، بإقرار التعويضات المذكورة التي بلغت قيمتها ، مع فوائدها، نحو 200 مليون دولار اميركي. وثمة اسئلة كثيرة لم يطرحها القضاة وخبراء التخمين عن التلوث البيئي الناتج من الكسارات والتشويه النظري والطبيعي والخطط لإعادة اصلاح الارض وتشجيرها، وغيرها من الاسئلة. اما السؤال الاصعب فهو في القيمة الفعلية للخسائر وطريقة تقديرها وما اذا كانت الكسارات خسرت هذا القدر من المال في سنتين، فكم تربح في 20 سنة، وهي مدة الترخيص الممتد من 1995 الى 2015؟ وهل تدفع الرسوم المتوجبة لخزينة الدولة كاملة؟ ومن يحصي الانتاج اليومي؟
واليوم يجد الزحليون انفسهم امام مشكلة جديدة تتجاوز المستندات التي مُرّرت في البلدية قبل الوزارات المختصة، ولا يجد هؤلاء من يجيب عن اسئلتهم. صحيح ان الشركة المستثمرة لم تطلب فرنا لإنتاج الترابة وفق ما ادعى خصوم فتوش، لكن خبراء البيئة يؤكدون ان عملية طحن حجارة الترابة تصدر غبارا كثيفا يؤثر في نوعية الحياة في المحيط، ويدمر البيئة ويقضي على القطاع الزراعي، وضغط سير الشاحنات التي ستنقل المواد الاولية، وتلك المعدة للبيع، من زحلة واليها، سيتسبب ايضا بتلوث وزحمة سير واخطار تضر بالمواطن الزحلي.
تستحق زحلة الحياة، وأهلها يحبون الحياة.