كان يمكن لما أدليت به يا دولة الرئيس في قصر بعبدا أمس، أن ينزل برداً وسلاماً على اللبنانيين لو أنك سمعت النداءات المتكررة وأدركت مبكراً ان الكيل طفح وان رائحة الحكومة والعهد أزكمت الأنوف. لكنك أخطأت في التقدير.
ورغم انك كنت لطيفاً ومحباً وقريباً من القلب وصادق النية في مخاطبتك المتظاهرين، فإن ما قمت به تجاوزته ثورة الشعب وإرادة الناس. ففن القيادة يا دولة الرئيس يقوم على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب والضرب على الطاولة حين يستوجب الأمر. وقد كان حريّاً بك ألا تدخل في البازار أصلاً مع جبران باسيل، وأن تعلم مسبقاً أن انزلاقك الى هذا الحلف الجهنمي تحت شعار “التسوية” هو تنكر لشعبيتك ولمحبة معظم اللبنانيين لك، ولرغبتهم في رؤيتك رئيس وزراء اصلاحياً حقيقياً. فأنت ابن الشهيد رفيق الحريري وزعيم الاعتدال السني وشريك الأحرار في ساحة “14 آذار”.
كان الأجدى يا دولة الرئيس ان تسمع نداء قلبك ووجع الناس فتستقيل يوم هدّدَنا وهدّدَك جبران باسيل بقلب الطاولة على رؤوس الجميع وأن ترفس الكرسي رداً على محاولات ميشال عون تحويل نظامنا الى نظام رئاسي، ويوم تطاولوا على صلاحياتك وعلى “اتفاق الطائف” في أكثر من ملف وآخرها ملف النازحين.
سكتَّ يا دولة الرئيس، وتحت ذريعة مصلحة البلد والرغبة في منع الانهيار، مرّت مصالح كثيرة بعضها لمقربين ومعظمها لأزلام ومحاسيب.
اليوم ومع رفض الناس لقرارات مجلس الوزراء لانعدام الثقة بكل الطقم السياسي انت أمام مفترق طرق. فإما أن ترضخ لمشيئة “العهد القوي” و”حزب الله” فتبقى في سلطة سقطت في الشارع وفي عيون أهلك وكل اللبنانيين، فتعرِّض البلاد لفتنة خطيرة تحضِّرها “الثورة المضادة” لإفشال الحراك وإلغاء مفاعيل حناجر الملايين الهاتفة باسقاط النظام، وإما أن تسمع صوت العقل والضمير وتجنِّب لبنان الكأس المرة.
لن يخرج الناس من الشارع لا بالترغيب ولا بالترهيب، وإذا اضطروا الى الخروج من الساحات فسيتحول كل بيت ساحة للعصيان المدني. ولن تكسر إرادتهم الوطنية الحرة رغبة محور سياسي في “استقرار” يؤجل الانهيار ويستثمره في مشروعه الاقليمي.
الشعب يريد حكومة انتقالية مستقلة تنقذ ما تبقى من كرامة اللبنانيين.
إستقل قبل فوات الأوان.
إستقل الآن.