أراد القول للنواب أوقفوا اللعب الانتخابي على ضهر الحكومة وكفى مزايدات
الى السبعينات عاد احد المشاركين في جلسة الامس النيابية ليشبِّه تلويح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بأحد ادوار الممثل يوسف وهبي. كان مشهداً تمثيلياً بدليل الجولة التي قام بها رئيس الحكومة على الورشة القائمة في قصر الاونيسكو متحدثاً عن مشاريع مستقبلية لحكومته. فهل هو مقطع تمثيلي للتهويل ام انها رسالة تحذيرية؟
بطلبه تحويل الجلسة النيابية العامة الى جلسة مناقشة عامة وطرح الثقة بالحكومة، أربك رئيس مجلس النواب نبيه بري وكل الموجودين. ليستكمل اشاراته بالاعلان عن نيته الاستقالة لولا ان مثل هذه الخطوة من شأنها تعطيل الانتخابات النيابية بينما يرفض تقديم مثل هذه الذريعة.
وزارياً لا توجد مؤشرات توحي باحتمال استقالة رئيس الحكومة، ونيابياً لا يخرج ما قاله عن سياق الرد على كلام قاله النائب جورج عدوان خلال جلسة اللجان امس الاول متحدثاً عن حكومة مستقيلة من مسؤولياتها مهدداً بطرح الثقة بها. لكن مصادر سياسية غمزت من قناة حملة استباقية لميقاتي «المأزوم»، لانه «بالكاد انجز الموازنة، فشلت حكومته في اعداد خطة تعافٍ لرفضه تحمل مسؤوليتها ومواجهة الرأي العام بمضمونها، شعر بنفسه محرجاً على ابواب زيارة وفد صندوق النقد الدولي فأعد مشروع كابيتال كونترول يحمي حقوق المصارف على حساب حقوق المودعين، يصر على مسايرة كل الاطراف والسبب الاهم انه يتهرب من طلب رفع الحصانة السياسية عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لانه لا يزال يرى ان الوضع غير مهيّأ بعد لمثل هذا الامر. رأي آخر رأى أن القطبة المخفية في غضب ميقاتي تكمن في رفض وزير العدل تعيين لجنة قضائية مصرفية للبت في موضوع المصارف، وشعوره ان القضاء بموقعيه الاساسيين ذهب بعيداً في المواجهة والعصيان ثم جاء تعاطي النواب مع الكابيتال كونترول. كلها اسباب واقعية قد تدفع الرئيس، الذي آثر التفرغ للهم الحكومي مضحياً بموقعه النيابي الى طرح الاستقالة ولو من باب المناورة. على حد قول عارفيه والمقربين هو عبّر عن امتعاض كان يحرص على تجنب إظهاره. المحيطون به يجزمون بأن فكرة الاستقالة آخذة بالنضوج في ذهنه ورهانه في الاستمرار بات على عوامل خارجية اكثر منها داخلية. «ليست رمانة بل قلوب مليانة»، يقول هؤلاء ويتحدثون عن مجموعة عوامل وتراكمات متصلة بأجندات مطروحة امام الحكومة في عمرها المتبقي أفضت الى خروج ميقاتي عن سياق مرونته السياسية والغمز من قناة الاستقالة. وقد يكون صندوق النقد القشة التي أخرجت مرارته الى العلن مع الخلاف الحاصل حول مشروع قانون الكابيتال كونترول.
منذ فترة يرى رئيس الحكومة ان البلد في ظل الانهيار السائد بات في طريقه الى انفجار كبير ويتم البحث عن شرارة الاشتعال، مرت حكومته بأكثر من محطة كادت ان تشعل البلد ولكن تم تلافيها بالصدفة، من الخلاف الدائر حول مصير حاكم مصرف لبنان الى الاحكام القضائية التي صدرت بحق بعض المصارف الى قانون الكابيتال كونترول الى التعيينات، وغيرها من مواضيع خلافية واجهت الحكومة منذ تاريخ عودتها للانعقاد ولم تستطع البت بها، لكن يبقى العامل الأهم والأقوى هو الحرب الضروس المكتومة التي لا تزال قائمة بين الرئاستين الاولى والثانية. وان كانت ضرورات التحالف الموقت والمصلحي جعلتها تستتر الا ان «الضرب تحت الزنار» مستمر في مواجهة يخوضها الاول انتقاماً من الثاني، بينما يخوضها الثاني لقطع الطريق امام الارث الرئاسي للصهر. يتلقى ميقاتي الضربات من الجهتين وتدفع حكومته الثمن.
أراد ميقاتي القول للنواب أوقفوا اللعب الانتخابي على ظهر الحكومة وكفى مزايدات. يستغرب رئيس الحكومة حملة النواب على الكابيتال كونترول وقد لبت الحكومة طلبهم بالوقوف على رأي صندوق النقد بشأنه وحين فعلت فتحوا باب مهاجمتها على مصراعيه. مستاء رئيس الحكومة من التعاطي مع حكومته «كلما تقدمنا خطوة الى الامام اعادونا الى الخلف» وهو العائد بنصيحة من الخارج مفادها ساعدوا انفسكم كي نقدر على مساعدتكم وان لبنان لم يعد اولوية بدليل الاموال التي كانت رصدتها منظمة اممية لاحدى الوزارات ثم عادت وحولتها الى اوكرانيا.
تقصّد ميقاتي فوصلت «الرسالة» بضرورة ان يكون الجميع شركاء في ورشة العمل الحكومية واذا كان من مسؤولية فهي تقع على كل الاطراف ولا يزايدن احد على رئيس الحكومة، هدد بالاستقالة فهل يعيد التاريخ نفسه فيكرر ميقاتي ما فعله العام 2013 يوم لم يؤخذ تهديده بالاستقالة على محمل الجد الى ان استقال. وهل يكتفي برسالته داخل الجلسة العامة ام سيستتبع فصولها في جلسة الحكومة اليوم؟