أصبَح كلّ موقف في لبنان خلافياً وكلّ خطوة ولو قانونية عرضة للتأويل والاجتهاد السياسي، وكل ذلك من دون الوصول الى نتيجة دستورية معينة تطبيقاً لأحكام الدستور.
وقد طرحت في الأمس القريب مسألة استقالة الوزير من حكومة تمارس كسلطة إجرائية صلاحيات رئيس الدولة بالوكالة عنه بسبب خلوّ سدة الرئاسة منذ ما يزيد على السنتين ونصف السنة.
وهنا يجب التأكيد أنّ ممارسة الصلاحيات الرئاسية لا تعني القدرة على ممارسة كل الصلاحيات.
إذاً الاستقالة من الحكومة في «الزمن العادي»، أي بوجود رئيس الجمهورية، لا تحتمل تأويلاً سياسياً او اجتهاداً دستورياً، إذ إنّ النص واضح في هذا المجال. بحيث يقدّم الوزير استقالته الى رئيس الجمهورية الذي يصدر وفق البند ٤ من المادة ٥٣ من الدستور بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم قبول استقالة الوزير.
ممّا يعني أنّ قرار قبول الاستقالة يعود وبشكل واضح الى قرار مشترك يتّخذه رئيسا الجمهورية والحكومة. وهذا يشير بوضوح الى أنّ المرجع الدستوري الذي يشكّل الحكومة، أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، له كامل الصلاحية في قبول استقالة وزير عُيِّن بقرار منهما وصدر بموجب مرسوم تشكيل الحكومة. ومن يستطيع التعيين له الحق الدستوري في قبول استقالة الوزير. ولا حاجة لتفسير النص نظراً لوضوحه وللأمثلة العديدة التي اختُبرت في هذا المجال طوال سنوات لا بل عقود.
أما النقطة الشائكة والمطروحة اليوم فتتعلق باستقالة الوزير من حكومة «رئاسية» كما يوصّفها البعض، أي تلك التي تقوم وكالة بصلاحيات رئيس الجمهورية بسبب خلوّ سدة الرئاسة بعد تعثر انعقاد مجلس النواب كهيئة انتخابية.
والحالة هنا غير عادية، إذ إنّ السلطة التي عيّنت أعضاء الحكومة غير موجودة كمرجع دستوري. وبالتالي، فإنّ الجهة الصالحة لأخذ العلم باستقالة الوزير هي مقام مجلس الوزراء الذي يمكنه قبول الاستقالة من دون أن يكون قادراً على تعيين وزير آخر من خارج التشكيلة الحكومية القائمة، بل يمكنه «تكليف» أحد أعضاء الحكومة نفسها.
لأنّه وفي حال كانت الحكومة قادرة على ممارسة صلاحيات الرئيس لهذه الناحية، تصبح هي، أي الحكومة، صاحبة الحق في تعيين وزراء جدد من خارج التشكيلة التي وقّعها رئيس الجمهورية، ممّا يعني أنّ السلطة الدستورية أصبحت تعيّن نفسها وهذا مخالف لأبسط المبادئ الدستورية المرعية، اذ انّه وفي هذه الحال تنقلب الأدوار ويصبح كل وزير شريكاً في تعيين وزير أو وزراء جدد بينما هذه الصلاحية تعتبر صلاحية حصرية متعلقة بشخص الرئيس وليس بدوره فحسب، إذ إنّ له وحده طبعاً بالاتفاق مع رئيس الحكومة، الحق الدستوري في تعيين الوزراء وهذه صلاحية دستورية محددة وبوضوح كلي في نصوص الدستور اللبناني.
توقفنا هنا فقط عند الناحية الدستورية حصراً من دون أن نغوص في موضوع أكثر دقة وهو الميثاقية، والمتعلق بدور رئيس الجمهورية كممثل للمسيحيين في نظامنا الطوائفي المتعدد المعتمد.
اذاً، تعتبر استقالة الوزير قائمة حالما يصدر قرار بقبولها ويكلّف مجلس الوزراء احد أعضائه القيام بمهام الوزير المستقيل.
أما في الحالة الراهنة، فإنّ الوزير المستقيل يعتبر مستقيلاً في السياسة من دون أن تكون لهذه الاستقالة أيّ مفاعيل دستورية، ما يمكّنه من الاستمرار في توقيع بريد وزارته وبالتالي إدارتها وحضور مجلس الوزراء ساعة يشاء. هذا يعني أنّ الاستقالة «المعلقة» من دون قرار من مجلس الوزراء تصبح بمثابة اعتكاف سياسي من دون تبعات دستورية.