هل استقالة الرئيس تمّام سلام ممكنة او مفيدة في هذه المرحلة ام لا؟ السؤال ينطلق من واقع ان رئيس الحكومة بلغ لديه السيل الزبى وتدخل النائب وليد جنبلاط مساء الاحد عبر إرسال وفد زاره من أجل استمهاله قبل اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه، في انتظار عودة الرئيس سعد الحريري من الرياض للبحث في سبل مساعدته لإيجاد حلول لأزمة النفايات. وفيما أعلن كل من الرئيس الحريري والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن تمسكه باستمرار الحكومة، مما يعتبر كافيا في رأي البعض للتسليم بامكان استمرارها لا بل بوجوب استمرارها، فانها اضحت منذ زمن اقل من حكومة تصريف اعمال ومن شأن استقالتها ان تضع السياسيين في مواجهة مباشرة مع الناس بدلا من ان تستمر الحكومة بمثابة منطقة عازلة يتحمل رئيسها وحده المسؤولية دون سائر الافرقاء الذين يتنصلون من مسؤولياتهم في الحكومة ويظهرون حرصهم على مصالح الناس خارجها.
ليس من مصلحة لبنان استقالة حكومته في المرحلة الراهنة وفق ما يقول وزراء في الحكومة في مقابل تهديد وزراء آخرين نهاية الاسبوع الماضي بالاستقالة منها وعدم امكان استمرارها على قاعدة ان المراوحة والعجز الكاملين مؤذ لهؤلاء فيما لا تستطيع الحكومة ان تنجز شيئا وهم بمثابة شهود زور على هذا العجز التمادي. فمن يرى ضرورة بقائها يخشى ان يزداد الفراغ على مستوى المؤسسات الرسمية في ظل الشغور في موقع الرئاسة الاولى والشلل الضارب في عمل مجلس النواب بحيث يحتاج البلد الى مؤسسة رسمية فاعلة ولو بالحد الادنى من اجل اتخاذ قرارات على غرار مواجهة الازمة التي طرأت بالاجراءات السعودية والخليجية عموما ازاء لبنان. لا يخفي اصحاب هذا الرأي ان الرئيس سلام لا يناور وهو جدي جدا في تلويحه بالاستقالة على قاعدة ان يتحمل الافرقاء السياسيون مسؤولياتهم في شأن موضوع النفايات على الاقل، لكن يقول هؤلاء ان التصعيد الذي يستمر “حزب الله” في اعتماده بأي منطق او شعار كان اكان مناصرة المظلومين حول العالم ام سواه من الشعارات تبريرا لتدخله في شؤون الدول العربية وسواها، اي ليس دفاعا عن الشيعة في وجه السنة على نحو يدحض الذرائع التي قدمها لدى تدخله في الحرب السورية، انما يساهم في احراج رئيس الحكومة ويلتف مسبقا على كل جهوده من اجل محاولة ترطيب الاجواء حتى ولو قال الحزب بحصر مشكلته مع الدول الخليجية به من دون لبنان بأسره. فالمنطق التبريري الذي يقول به لا يصرف في السياسة على مستوى لبنان او المنطقة وربما يكون مقنعا لجمهوره لكنه يبقى غير مقنع للاخرين. وقد استمع اللبنانيون الى الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يشرح في الخطاب الذي القاه عصر الاحد الماضي المسار الذي سلكه الحزب دفاعا عن البوسنة وعن العراق وعن شعوب المنطقة، مثيرا تساؤلات عن الاسباب التي تدفعه الى الامعان في احراج لبنان وحكومته واهله وعدم الافساح في المجال امام البلد لكي يتنفس في موازاة الحروب “الاخلاقية” التي يخوضها كما قال. فالنتيجة المباشرة لخطابه انه يلتف على جهود الحكومة او مساعي بعض افرقائها لرد التداعيات السلبية التي ساهمت فيها مواقف الحزب كرد فعل من الدول الخليجية على تدخله في ما يعتبره نصرة شعوب المنطقة، فيما يقف رئيس الحكومة على شفير الاستقالة من مهماته، ليس تهديدا انما واقعا. من يخشى استقالة الحكومة وحصول فراغ مؤسساتي شامل وكامل يبرز مبررات من بينها ان نظام البلد ككل قد يوضع على الطاولة من جديد على قاعدة ان اي تسوية او اتفاق تستوجب سلة متكاملة.
من يقول بالمنطق الذي لا يخشى تحول الحكومة حكومة تصريف اعمال انها فعلا لا تتعدى ذلك، فيما وضع الرئيس سلام مؤلم وصعب على غير ما قد يشعر به وزراء يمثلون افرقاء سياسيين يستفيدون من الشغور الرئاسي للتصرف بصلاحيات رئيس الجمهورية من دون اي رقابة او محاسبة. ومن الظلم بالنسبة الى اصحاب هذا الرأي اعتبارها حكومة قائمة في ظل تفككها وعجزها عن تأمين حلول لازمة النفايات التي وصلت الى منازل الناس من دون ان يهتم السياسيون بامكان محاسبتهم او ان يشعروا بمسؤوليتهم عن الناس على رغم ايلائهم هذه المهمة. يضاف الى ذلك وجود اعتقاد بان استقالة الحكومة يمكن ان تحدث صدمة او خضة ليس في الداخل بل في الخارج على وقع امرين : الاول ان هناك صدمة احدثتها الاجراءات السعودية ان في شأن الهبة للجيش اللبناني او في شأن الاجراءات الاخرى والتي شملت دول الخليج الى حد استفز كل من الولايات المتحدة وفرنسا اللتين تحركت كل منهما تحت عنوان ضرورة المحافظة على استقرار لبنان. والامر الاخر هو ان الصدمة التي يمكن ان تحدثها استقالة الحكومة ربما تدفع الخارج الى الضغط من اجل اعادة لململة اشلاء الدولة اللبنانية واتاحة انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة جديدة خصوصا اذا رأى هذا الخارج في عدم استمرار الحكومة خطرا يمكن ان يتهدد الاستقرار اللبناني.