يتأرجح الرئيس تمام سلام بين اتجاهين متناقضين، الأوّل يدعوه إلى البقاء مهما تكبّد من خسائر على المستوى الشخصي والعام، والثاني يسارع به الى ترك السراي وإسدال الستارة على تجربة كانت حافلة بكلّ أنواع المشقات، بما فيها صبره الشهير الذي أصبح مرادفاً لعدم القدرة على أداء المهمة والوصول الى برّ الأمان.
تبعاً لصفاته التي تتّسم بالحذر، لا يضع سلام سقفاً زمنياً لتنفيذ إنذاره الأخير على طاولة مجلس الوزراء الذي أعلم فيه الوزراء بأنْ لا لزوم للاستمرار، ما دامت الحكومة لم تحلّ قضية النفايات.
لكنّ العارفين يقولون إنّ رئيس الحكومة بلغ ذروة الغضب والقرف ممّا يجري، وأنّه بات في طور إعطاء الفرصة الأخيرة لحلّ مسألة النفايات، قبل أن ينتقل من الامتناع عن الدعوة الى عقد جلسات الحكومة، الى الامتناع عن الاستمرار كرئيس للحكومة.
يقول هؤلاء إنّ الكيل طفح من هذه المداورة في تعطيل حلّ النفايات، بين ممثلين للطوائف يجهدون لكي يزايدوا مدّعين حماية جغرافية طوائفهم، فيما هم متقاعسون عن المشاركة في المسؤولية في حلّ أزمة تكاد تطمر الطوائف والوطن. مداورة في تقاذف المطامر يرى فيها سلام هروباً يُسقط عن المسؤولين صفة المسؤولية، ويجعل الحكومة، وما تبقى منها أسيرة ملف كان يجدر اتخاذ قرار ببته، منذ اللحظة الأولى.
لا تبدو حكومة سلام في أفضل حال، لا بل هي تنتقل من سيّئ الى أسوأ، لكنّها مستمرة لأنها الوحيدة الباقية لملء الفراغ، ولا يجرؤ أحد من المشاركين فيها على التفكير باستقالتها، لأنّ بعد ذلك لا يمكن تصوّر ما قد يحصل، لا على الصعيد الدستوري، ولا في ما يخص الاستقرار الأمني.
ومع ذلك فقد بدأ بعض القوى المشاركة في الحكومة بالتفكير بجدوى استمراريتها، ومن هذه القوى حزب الكتائب الذي يدرس قرار الاستقالة، ومحاذيرها، وإيجابياتها، ولا سيما أنها تحوّلت غطاءً لاستمرار الفراغ الرئاسي، فهل تكون هذه الاستقالة مسهّلاً لانتخاب الرئيس أم العكس؟
يُوحي المشهد الحكومي بأنّ طرفين أساسيَّين يتمسكان ببقاء الحكومة هما «حزب الله» وتيار «المستقبل»، كما الحلفاء على الضفتين (الرئيس نبيه برّي والنائب وليد جنبلاط)، هذا التمسك هو استمرار للابقاء على ما يُسمى بأحزمة الأمان التي تمنع الانزلاق نحو الفوضى، بدءاً من الحوار الثنائي الذي تطبخ فيه توجهات التهدئة، مروراً بطاولة الحوار التي تقرّ هذه التوجهات، وانتهاءً بالحكومة التي باتت مهامها تشبه مهمة كاتب العدل، حيث تصدق على ما يصلها من تفاهمات، أو تقبع في الانتظار والتعطيل، في حال غاب التوافق.
ويبقى السؤال: الى متى ستصمد هذه الحكومة، وهل ما تزال قادرة على البقاء في ظلّ تراكم الأزمات الداخلية، وفي ظلّ اشتداد الأزمة في المنطقة، وما تُنتجه من انعكاساتٍ على الوضع اللبناني؟
الواضح أنّ حالة الاهتراء والتآكل باتت مرشحة للاتساع، فلا تركيبة التفاهم المستقبلي الحزب «اللاهي» قادرة على التعامل مع الاشتباك السعودي الإيراني، ولا طبيعة الملفات العالقة وأولها وليس آخرها النفايات، ولا الفراغ الرئاسي المرشح للاستمرار، تُتيح لهذه الحكومة أن تلتقط أنفاسها، ويبقى الخيار الأكثر واقعية هو استقالة هذه الحكومة، من دون أن يقدّم رئيسها استقالته، أيْ أن تمتنع عن الانعقاد، ما يعني الدخول في حالة تصريف الاعمال المقنعة، وبغض النظر عن المخرج الذي يتداوله البعض في قضية النفايات، فإنّ ما سيواجه الحكومة من استحقاقات سياسية لن يكون أسهل من قرار حلّ النفايات، خصوصاً أنّ أطرافاً ستستعمل ورقة المشاركة في الحكومة للضغط في الملف الرئاسي، ما قد يكرّر مرحلة التعطيل الذي عاشته الحكومة منذ ولادتها والى اليوم.