IMLebanon

صمود… حتى آخر الأنفاس

 

فجأة إستفاق الجميع: كلٌّ على طريقته، كلٌّ بقدر أوجاعه وآلامه، كلٌّ بقدر ما هاله الواقع المرير الذي باتت البلاد تغوص في أعماق أعماقه، والجميع يقرّ في الوقت نفسه، وبقدر ملحوظ من الخجل والوجل والإحساس بالمسؤولية، وان كانت أنامله قد لسعتها حرارة النار الموقدة التي لطالما تمنطق بها واعتمدها سلاحا من أسلحته ووسيلة لجني المال الحرام المنهوب من لقمة الناس وخبز يومها وأنين الجوع المنطلق من حناجر أطفالها.

 

فجأة استفاق الجميع: أكثرهم هدوءا في يقظته، ولو شكليا وظاهريا، حزب الله، الذي هاله أن تكون الحكومة الجديدة مقطّعة الأوصال ومشوّهة المنشأ والمبدأ، مرفوضة إلى هذا الحدّ، في الشكل وفي الأساس لدى غالبية كبرى من هذا الشعب الذي انتفض فجأة هو الآخر على ظلمِ وظلماتِ هذه الأيام الحالكة التي ما زالت منذ بضعة أشهر، تهزُّ بالبلاد وأسسها وأعمدتها وركائزها، حزب الله، تبنّى هذه الحكومة مع رفضه المبدئي لتسميتها بحكومة الحزب.

 

هو اعتمدها وأيدها وأمسك بأياديها مسددا خطاها نحو بعض الهدوء والرواق والتشديد على صعوبة الأوضاع وحرج الأزمة الإقتصادية فضلا عن دعوته للجميع إلى تحمل المسؤولية وإدانته للهرب من أوزارها ونتائجها القاتلة، داعيا إلى معالجة المأساة القائمة من خلال اتفاق سياسي شامل للموالاة والمعارضة على حد سواء، وإعطاء الحكومة الحالية فرصة معقولة ومنطقية لتمنع الانهيار والسقوط وتقديم المساعدة من قبل أي جهة أو حزب أو فئة، لأن هذا التوجه واجب وطني، ولأن فشل الحكومة سيدفع ثمنه كل الناس، ولا نعرف ما إذا كان سيبقى بعدْ بلدٌ ليشكل حكومة جديدة، مشددا على أن مهلة شهر سبق للحكومة أن أعطتها لنفسها قبيل تأليفها غير كافية على الإطلاق، وملمحا إلى توجب مهلة أخرى أعطتها الحكومة لنفسها بعد التأليف ونيل الثقة تصل إلى حدود ثلاثة أعوام مقبلة بالتمام والكمال.

 

كلام جميل يحلو ترداده من قبل الجميع، ولكن لا ندري من أين تعلو أصوات هذه التوجهات والتوجيهات: من بيروت، أم من الضاحية أم من دمشق أم من بغداد أم من اليمن أم … من المصدر الأساسي من إيران؟ وحديثا وبالتحديد، من قبل رئيس مجلس الشورى الإيراني الذي شرّفنا مؤخرا بزيارة طارئة لم نعرف حتى الآن حقيقة أسبابها وتوجهاتها وتوجيهاتها، وأن دفعتنا بمواقيتها وخلفياتها إلى أكثر من ترقب وتحسب. أهو كلام باسم اللبنانيين أم باسم كل بقعة من بقع المنطق الفج الذي يطاولنا بصفعاته في هذه الأيام المريرة. ونأتي إلى المصرّحين الآخرين كل بدوره… كل منهم يسعى إلى تبرئة نفسه من فعل شارع عبث به وبتطلعاته واستغله حتى أعمق الأعماق، وجنى منه قوامات كبرى هي أساسيات زعامته وركيزة استمراريته.

 

كلام قسّم اللبنانيين في المرحلة القائمة ما بين معارضين وموالين، وإذا بنا في عودة مسترجعة إلى أوضاع مذهبية وطائفية مغرضة، كل جهة فيها تحفظ خط الرجعة ما بين الثورة-الإنتفاضة وأنين الشعب المكتوم والمظلوم، وبين التجمعات الحزبية والطائفية والمذهبية القديمة التي نشأت عليها وعلى أعمدتها، قيادات وزعامات، أطلق عليها الثوار جملة من النعوت والتوجهات وفي طليعتها: كلّن يعني كلّن… وهو شعار غاضب ورافض يحمل نكهة مطالب الإنقاذ والخلاص من دولة أضاعت معالمها ما بين دول المنطقة، واستطابت موقعا لها باتت ترفضه معظم شعوب العالم المتحضرة التي باتت لها أنظمتها وقوانينها ودساتيرها ونهجها الوطني العام المتجه نحو توحيد الجهود والمواقف والتوجهات في إطار يقاس فيه النجاح بمدى ما حققه لدى شعوبه من مواقع التوحد الوطني. وفي لبنان…

 

لولا هذه الإنتفاضة التي حلّت في أرضنا ولدى شعبنا في أواخر العام الماضي، حلولا متجذرة وعميقة الوجود والأثر، لكان مجرد الأمل بالإنقاذ والخلاص من سحابات الموت التي باتت تعصف بأجوائنا، قد أصبح أثرا بعد عين، ولكانت المطالب الثورية التي طرأت تحولت إلى مطالب للهجرة من بلد مرّ عليه الأمل مرور الكرام، وحطت آماله وأحلامه في آفاق بعيدة، سبقه إليها آباؤه وأجداده وأسسوا من خلالها في بلاد الدنيا بأسرها، مثالات عديدة من النجاحات الكبرى في أكثر من مجال وميدان. يقال ذلك كله، ونحن في صلب المعمعة وفي صلب محاولات الإنقاذ من تراجع كاسح يطاول شعبا بأسره لم يسبق له أن عايش مثل هذه الحسابات القاتلة من اليأس والضياع.

 

ولكنه أمل قد حط لدينا في نهايات العام المنصرم، وهو سيبقى، لأن هذه الأيام القاسية لها أحكامها، وكلها أحكام شديدة القسوة، تدعو إلى الصمود… حتى آخر الأنفاس.