IMLebanon

المقاومة اسم علم

 

تأسس مفهوم المقاومة كوظيفة جماهيرية تلجأ إليها الشعوب لتستعيد حرياتها وحرية أوطانها، وأصبحت حقاً معترفاً به في شرعة الأمم المتحدة، كوسيلة لاستعادة سيادة الأوطان والحق في تقرير مصير الشعوب المستعمرة.

 

في تجارب الشعوب وحركات التحرر الوطني على مستوى العالم تأسست تجربة الكفاح الشعبي المسلح كفعل ثوري تقوم به طليعة شعبية بعمل مسلح في مواجهة جيش احتلال اجنبي، وحفل القرن الماضي بعشرات التجارب التي خاضتها شعوب العالم في مواجهة محتليها، كانت التجربة رائدة في الصين ويوغوسلافيا وفرنسا والبانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم تكررت في الجزائر وفيتنام وبوليفيا ونيكاراغوا واميركا اللاتينية في النصف الثاني من القرن الفائت، وتزامنت مع ذلك ثورة فلسطين وانطلاقة حركة فتح سنة 1965، والمؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا بقيادة نلسون مانديلا.

 

لم يكن “حزب الله” مقاومة من مقاومات هذا العالم وقتها، ولم تكن هناك مقاومة في لبنان ايضاً، فالقتال الشعبي لاسرائيل من لبنان وعلى ارض لبنان تأسس منذ قيام اسرائيل عبر جيش الإنقاذ وهو جيش من المتطوعين شارك في حرب فلسطين سنة 1948.

 

ثم قامت تجارب اخرى عديدة، مترامية الامتداد في الزمان والانتماء، كان أهمها انخراط الآلاف من اللبنانيين في صفوف المقاومة الفلسطينية، من خليل الجمل الى عشرات الشهداء، الاموات والاحياء، على ارض الجنوب اللبناني، من مختلف المناطق والجهات اللبنانية، خصوصاً في الاجتياح الاسرائيلي سنة 1978بعد عملية سافوي التي اقتحمت ساحل تل ابيب، بقيادة دلال المغربي، وعندما وقع عدوان حزيران 1982 تجسدت بطولة المدافعين عن الجنوب، لبنانيين وفلسطينيين، في قلعة شقيف ارنون وتلة مسعود وفي محاور ميمس والخلوات وعين عطا على سفوح جبل الشيخ كما في خلدة ومعبر المتحف وخط مطار بيروت. تلك كانت مقاومة لا تبغي لا منة ولا شكراً.

 

المواجهات تلك كانت اساسا لانطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية المستندة الى بيان اطلاقها من منزل كمال جنبلاط، بقيادة جورج حاوي ومحسن ابراهيم.

 

في سنة 1967 بعد احتلال اسرائيل للقدس والضفة الغربية أعلن جيش الاحتلال وقف حظر التجوال في المناطق المحتلة بعد أقل من شهر من الحرب، اما في بيروت فقد اضطر جيش الاحتلال لأن ينادي بمكبرات الصوت” يا اهالي بيروت لا تطلقوا النار علينا، نحن ننسحب من مدينتكم” بعد ايام ثلاثة فقط من دخولها. كانت تلك مقاومة ايضاً ودون ال التعريف الحصرية! ولم يكن حزب الله قد ظهر إلى الوجود والواقع.

 

جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية استمرت بعملياتها، توجه ضرباتها لجيش الاحتلال مرحلة إثر أخرى، حتى أجبرته على الانسحاب من الدامور وصيدا وصور والنبطية والشوف واقليم الخروب والبقاع الغربي الى الشريط الحدودي سنة 1985، تلك كانت مقاومة اشتركت فيها كل فعاليات شعبنا وقواه الحزبية والوطنية، ولم تدع عصمة ولا ميزة او خصوصية، وصانعوها كانوا أناساً عاديين، لا قديسين بينهم، ولم يروا في أفعالهم إلا واجباً يؤدى.

 

“حزب الله” كان مقاومة مثل كل هؤلاء، حين أسهم بتحرير آخر قسم من أراضي لبنان المحتلة، مستمراً في صراعه لعقدين من الزمن. وتم تتويج مقاومته هذه، بانسحاب إسرائيل حتى الخط الأزرق الذي رسمته الامم المتحدة تنفيذاً لقرار مجلس الامن رقم 425.

 

منذ تلك اللحظة فقدت المقاومة عنصرين اثنين من عناصر مشروعيتها؛ الاول تنفيذ القرارين الدوليين 425 و 426 وإعلان الأمم المتحدة تنفيذهما بضمانتها، أما الثاني فهو إنهاء الاحتلال واعلان لبنان يوم 25 أيار عيداً للتحرير والمقاومة.

 

ولعل المأزق اللبناني يندرج في هذا العيد واسمه، فإذا كنا نحتفل بالمقاومة التي تواجه احتلالاً، فعلام الاحتفال بالتحرير طالما الاحتلال لا يزال قائما!؟، وأن كنا نحتفل بمقاومة الاحتلال، فعلام الاحتفال بالتحرير؟!.

 

كان ممكناً التعايش مع هذا التناقض المفهومي، لولا حرب تموز التي أدت الى ارساء القرار الدولي 1701 وأنهت العمليات الحربية عبر الحدود الجنوبية، ونشر الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية جنوب خط الليطاني، معتبراً أن أي وجود مسلح آخر، بما في ذلك سلاح “حزب الله”، هو خرق للقرار وانتهاك لمندرجاته، وبذلك فقدت مقاومة “حزب الله” عنصراً ثالثاً من مشروعيتها وهو حقها في الاندماج في عموم الأهالي وانتشارها في القرى الموالية لها (لا تستعاد المشروعية اذا كان ينتشر سراً).

 

من حيثيات منطق أي “حركة تحرر وطني” تمارس مقاومة ضد محتل أجنبي، أن تعمل على وحدة الشعب والتركيز على التناقض الرئيسي مع العدو المحتل، وعلى تجاوز وتخفيف أي تناقض ثانوي داخلي لبناني لمصلحة تكتيل الجهود وتوجيهها في وجه الأجنبي، “فقوة المقاومة في الاصل هي رحابتها” لكن “حزب الله” سار عكس هذا المنطق تماما، ففي لحظة خروجه من حرب تموز، مهادناً عدواً اجنبياً، قام بالتورط في صراع داخلي، في وجه قوى لبنانية اخرى، اوصلته الى اجتياح عاصمة بلاده واحتلالها ! وكأنه لم يكتفِ بأن تكون مقاومته شيعية على مذهب الولي الفقيه رغم تسميتها اسلامية، وأن أجندتها اقليمية في لبنان وليست اجندة لبنانية، بل أضاف إليها نزعة صدامية فتنوية تتنقل من أزمة متفجرة الى اخرى مشتعلة.

 

يردد السيد نصرالله في اطلالاته عبارة أصبحت لازمة لخطابه “إن المقاومة تزداد قوة” معدداً الصواريخ ومحدداً دقة اصابتها، فهل قوة المقاومة في سلاحها؟ ويعلن متفاخراً “ان تمويله وغذاءه وتجهيزه من ايران وطالما ان في ايران فلوساً فسيكون لحزبه فلوس”، فما هي عناصر قوة المقاومة أي حركة مقاومة؟ ! والجواب عنصران متلازمان ؛ الاول أن قضيتها هي الحرية حرية الوطن والمواطن وهذا ما يجعل قضيتها عادلة، الثاني أنها تعتمد سبيل الالتزام والتضحية والوفاء لشعبها ووطنها فتكسب تفوقاً أخلاقياً في وجه خصومها ومنافسيها، المقاومة قوية لان قضيتها العادلة هي الحرية، وتتمتع بتفوق أخلاقي لارتباطها بوطنها. ومقاومة نصرالله بعد ان انحازت لكل أنظمة الاستبداد في سورية وإيران واليمن، أفلتت من يدها راية الحرية، وبانت وشائج ارتباطها بإيران لا بلبنان، ولكي لا نفهم خطأً، نستنتج أن “حزب الله” قوي جداً كطرف في حرب أهلية وليس قويا كحركة مقاومة وطنية وعربية. في العرض الذي تقدم نرى قوى سياسية وحركات تحرر وطني، في بلادنا وفي كل الدنيا، مارست مقاومة احتلال اوطانها كوظيفة تنتهي بانتهاء الاحتلال، بقيت على مسمياتها قبل المقاومة كما بعدها في فيتنام وكامبوديا والجزائر وفلسطين ونيكاراغوا ولبنان. وحده “حزب الله” حول المقاومة من وظيفة فقدت كل عناصر مشروعيتها وقوتها وأجندتها إلى اسم علم مقرونا بـ “ال” التعريف…