إلى مَن تتوجّه قيادات «حزب الله» حين تُعلِن مِن على منابِرِها أنّ «لبنان لا يَستطيع أن يَستمرّ او يَستقرّ او يَستقلّ من دون المقاومة وأدائها وسلاحها وجهوزيّتها» و»أنّ لا بقاء للبنان من دون المقاومة»؟ إلى جمهورِها لتقوية معنويّاته؟ أم إلى رافضي سرديّتها وسلاحها وانتمائها ومحورها وحروبها؟
في الحالتين لم يَعُد مِن داعٍ لهذه الخطابات المتكرّرة والمُستَنسَخَة بعد أنْ بانت النتائج وانفضحت الحقائق وأتت «حرب غزّة» لتقضي على كلّ الشعارات الوهميّة كَمِثل «تحرير القدس» و»إزالة إسرائيل من الوجود» و»محاربة الشيطان الأكبر أمريكا»، مروراً بشعار «وحدة الساحات» وصولاً إلى المقولة الشهيرة، «سنردّ بالزمان والمكان المناسبَين». فهل سيأتي يومٌ أفضل «لمحور الممانعة والمقاومة» مِن يوم 7 تشرين الأول 2023 يوم احتلّت «حماس» أراضيَ ومستوطناتٍ إسرائيلية لِعَشرِ ساعاتٍ متتالية حيث كَبَّدت العدو حوالى ألف وخمسمائة قتيل إسرائيلي وأسَرَت المئات منهم في عمليّة عسكريّة فاقت بنتائجها كلّ التخيّلات الهوليوديّة في أكثر أفلامها خرافة؟
ومع ذلك لم «تتّحد الساحات» وتنصّلت إيران منذ اليوم الأول مِن أيّ دورٍ لها في غزّة، واعتذرت «الفصائل العراقيّة» عن قصفها لمرّةٍ «يتيمة» موقعاً أميركيّاً في الأردن، وَدَفَعَ «الحوثيّون» غالياً ثمن الرشق بالصواريخ، بطائرةٍ أميركيّةٍ واحدةٍ قصفت عشرات الأهداف في اليَمن بطلعةٍ واحدة. وإذا صَدَقَ الخَبَر الذي وَرَدَ فيه أنّ الأمين العام لـ»حزب الله» قال للإيرانيّين «لا تُدخِلوا أنفُسَكُم بهذه الحرب فنحن سنقاتل لوحدنا»، فهذا يعني أنّ «وحدة الساحات» أصبحت في خبر كان. لعلّ المنظّرون لـ»قُدسيّةِ» المقاومة يَفقهون ويدركون أنّهم مقابل كلّ «طَلعَة خطابيّة» لهم، هناك «نَزلَة تراجعيّة» لمصداقيّتهم عند معظم اللبنانيّين الذين تزداد قناعتهم يوماً بعد يوم، أنّ «المقاومة» تريد فقط «تقريش» خطاباتها في الداخل اللبناني مِن خلال الهيمنة على الدولة بكلّ مفاصلها، وهُم لها بالمرصاد.
أمّا بخصوص اجتماعات بكركي، فإنّنا نحترم مصداقيّة رئيس «تيّار المردة» سليمان فرنجية الذي لا يشارك في هذه الاجتماعات الحاصلة تحت عباءة غبطة البطريرك بشارة الراعي، لأنّه يرفض في الوثيقة «المنتظرة» أي كلام يطال سلاح «حزب الله» ودوره، أو يقلّل من نفوذِه، أو يدين تعطيله للرئاسة وسيطرته على الدولة. في السياق ذاته، أمَا آن الأوان في «أسبوع الآلام» أن يَحسم رئيس «التيّار الوطني الحرّ» جبران باسيل أَمرَه ويُعلِمَنا بشكلٍ نهائيٍ تام وناجز لا رجوع عنه، أنّه قرّر الخروج من عباءة «حزب الله» وسلاحِه، فيسير مع الغالبية العظمى من اللبنانيّين والمسيحيّين تحت عباءة الدولة والدستور والقرارات الدولية والحياد، فنصعد معاً على دَرب القيامة؟! أم أنّ كلّ ما نَسمعه من قيادات «التيار الحرّ» لا تعدو كونها مناورات وَدَلَع لرَفعِ «المَهرِ» في «اتفاق مار مخايل جديد» قائم على المعادلة القديمة ذاتها: أُعطِيكَ الوطنَ وتُعطيني الكراسي وخيراتها؟
(*) عضو «الجبهة السياديّة من أجل لبنان»