لن نكتب تاريخاً في لبنان لأننا مختلفون على الماضي والحاضر، لذا سنظل مختلفين على المستقبل، وتالياً لن نبني وطناً، لأن الوطن ليس الأرض وحدها، وانما الشعب بتاريخه وحاضره وتطلعاته ورؤيته المتقاربة للأمور الوطنية. أما الانقسام الحاد، فلا يبني وطناً. وهذا الانقسام لم يولد من عدم، انما هو صنيعة البعض الذي يهدف الى تغيير صورة البلد وضرب الميثاق لإقامة لبنان جديد يحافظ على شكله الديموقراطي، بعد ان يكون النظام أفرغ من الداخل. هذا ما تعمل له جهات منذ زمن، وهذا ما يستوجب مقاومة من نوع جديد. ويعمد آخرون إلى رسم معالم ديموغرافية جديدة انطلاقاً من الأطراف للانقضاض على الداخل، على جبل لبنان الذي كان الثقل والقلب للبنان الصغير قبل الكبير.
البعض يريد أن ينقض الماضي، ماضي المقاومة اللبنانية التي علّمت الآخرين معنى المقاومة. حتى “جبهة المقاومة الوطنية” التي انطلقت مع الحزبين الشيوعي والقومي، أرادوا طمسها بخطة رسمتها دول إقليمية، ودفعت ثمنها لسوريا لتنفيذها.
يريد البعض ألاّ يعترف برئاسة بشير الجميّل وان يمحوه من التاريخ. يريد أفرقاء أن يكتبوا التاريخ على هواهم، أن يحتكروا الوطنية والدفاع عن الأرض والمقدسات. يريد البعض ان يحولوا قتلاهم في الحرب شهداء، وان يجعلوا شهادة رفيق الحريري وجبران تويني وسمير قصير وبيار الجميّل ووسام الحسن والآخرين دون مستوى الشهادة.
لقد قاوم الرئيس الشهيد بشير الجميّل العدوان السوري على الأشرفية وزحلة وغيرهما، ثم رفض الانصياع لإرادة اسرائيل بعيد انتخابه رئيساً لأنه أراد أن يرقى إلى مستوى الجمهورية ويصير رئيساً لكل اللبنانيين، ودفع ثمن مواقفه الوطنية حياته، بخطة تواطأ فيها اصدقاؤه وخصومه على السواء.
أرادوا بقتل الرئيس بشير الجميّل، وبعده الكثير من الشهداء، أن يبدلوا مسار التاريخ، وأن يرسموا للبنان مساراً جديداً، وتاريخاً جديداً، وأراد كُتّاب التاريخ في لبنان ان يفرضوا وجهة نظرهم ورؤيتهم للامور، لكنهم لا يعلمون حقيقة الواقع اللبناني، اذ انهم يعمّقون الانقسام ويؤسّسون لحروب جديدة مقبلة. وحتى لو راهنوا على العدد والقوة والمال والسلاح، فإن تركيبة لبنان اقوى منهم، وهي عصية على التغيير، وذاكرتنا أيضا عصية على النسيان، وإيماننا بهذا الوطن وتمسكنا به عصيان على كل محاولات التطويع.