عندما أعلنت لجنة «فينوغراد» الإسرائيلية تقريرها المتعلق بنتائج حرب تموز في 30 كانون الثاني 2008، كانت المقاومة قد أنهت، منذ زمن، تقييم الحرب. أكثر من ذلك، كانت قد شرعت بالعمل على تنفيذ خططها الساعية إلى البناء على النتائج العسكرية للحرب، تعزيزا للقدرات واستعدادا لجولة جديدة لا بد أنها آتية.
وإذا كان تقرير «فينوغراد» قد فرض على الاسرائيليين إعادة صياغة بعض مفاهيمهم ونظرياتهم العسكرية، مثل عدم قدرة سلاح الجو على إنهاء المعركة، فإن المقاومة رأت أن تجربة حرب تموز أثبتت أن «العقل الاستخباري الإسرائيلي قد شاخ، لا سيما بعدما تمكن المقاومون من جعله يذهب إلى حيث يريدون لا حيث يجب أن يكون». وخير دليل على ذلك الدور الحاسم للسلاح المضاد للدروع الذي فشلت استخبارات العدو في اكتشاف حجمه وخطورته قبل الحرب.
ومع وعودهم بـ «مفاجآت دائمة»، يبتعد المقاومون الذين التقتهم «السفير» على أرض الجنوب، عن «السجالات السياسية والحرب الإعلامية التي تخاض ضد حزب الله». بالنسبة اليهم، «ليس المهم مكان المعركة لكن الأهم عدم الحياد عن الهدف المتمثل بمواجهة العدو الإسرائيلي».
صحيح أنه منذ العام 2006 لم تحصل أي حرب مباشرة بين «حزب الله» وإسرائيل، لكن حسابات المقاومة تتعامل مع الصراع تعاملا مختلفا. تحاول «تقريش» الاستعدادت على أرض الواقع: دخلت إسرائيل منذ العام 2006 ثلاث حروب مع قطاع غزة (2008، 2012، 2014). وفي القراءة العسكرية، يبدو جلياً في هذه الحروب أن التطوير الذي دأبت إسرائيل عليه فشل في تحقيق الأهداف التي أعلنها لتلك الحروب، والتي كان بديلها الإمعان في قتل المدنيين.
وفيما لم تشهد الجبهة مع لبنان أي حرب، كان «حزب الله» يفتتح عصر الحروب على الإرهاب، حيث اختبر فيها كل أشكال الجهوزية، كالتحشيد والتعزيز ونقل القوات والعمليات الاستخبارية..
وعليه، يقول أحد كوادر المقاومة إن «الإسرائيلي كانت له تجربته التي خاضها مدعوماً بكل ما لديه من أدوات ووسائل، ونحن خضنا تجربتنا بالهجوم واحتلال المدن والقيادة والسيطرة.. هو خاض حرباً على مساحة 360 كلم مربعا بقدرة استخبارية تصل إلى داخل غرف النوم في فلسطين، ونحن نخوض حرباً منذ ثلاث سنوات على مساحة تتعدى مساحة غزة بأضعاف مضاعفة». باختصار، يقول المقاوم نفسه «نترك للعدو أن يقيم تجربتنا في ما نحن قيّمنا وما نزال تجربته وعلى المنطق أن يحكم بيننا».
تعرف إسرائيل على الأقل أن انشغال «حزب الله» في سوريا لم يؤثر على مستوى جهوزيته في الجنوب. أكثر من ذلك، لمست استعداده للحرب على جبهتين، أي معها أيضا. فمن ليس جاهزاً للحرب لا يمكن أن يرد على عملية إسرائيلية، وذلك أمر خبِرته إسرائيل ثلاث مرات، أبرزها الرد على عدوان القنيطرة، حيث كانت كل تشكيلات المقاومة جاه زة لإمكان تدحرج الأمور إلى الحرب الشاملة. علماً أن المقاومة أبت أن ترد إلا من أرض الصراع وليس من سوريا حيث كان يمكن للرد أن يكون أقل تحدياً لإسرائيل، وهو ما أكد لإسرائيل «أننا لا نهاب الحرب، بالرغم من أننا لسنا من هواتها».
باختصار يقول المقاوم اننا نعمل في الميدان «كأن الحرب واقعة غداً». وحتى المشاركة في الحرب السورية «هي جزء من استعدادنا للحرب مع إسرائيل»، مذكراً بأن القاعدة التي تعمل عليها المقاومة هي وجود كادر بشري مواز في كل مواقعها. وعليه فإن موقع ضابطي الإيقاع في الصراع مع إسرائيل، على كل المستويات، لم يتأثر.
وللتوضيح، فإن «الرسالة الحاسمة التي وصلت إلى الإسرائيلي مفادها، أن حماية ظهر المقاومة في سوريا لا تعني أبداً القبول بتغيير قواعد الاشتباك».
يختم القيادي الميداني كلامه متناولاً ورقة أمامه كتب عليها اقتباس منقول عن إعلام العدو: «حزب الله» سوف يحول القلمون وتضاريسها إلى قلاع شرق أوسطية لحصد المزيد من الانتصارات الكبيرة.