Site icon IMLebanon

المقاومة تربح بـ «النقاط» و«حيرة» و«غضب» في الرياض

المملكة العربية السعودية «غاضبة» وتشعر بالحيرة ازاء نجاح حزب الله في الخروج رابحا من سلسلة «مطبات» او «نكسات» ظنت الرياض انها ستكون كفيلة في «تقليم اظافره» اوعلى الاقل اضعافه اذا كان «سقوطه» في هذه المرحلة متعذرا…هذا الانطباع الذي نقلته اوساط دبلوماسية غربية في بيروت لبعض «المقربين»، يلخص مجموعة من النقاشات التي جرت خلال الايام والساعات القليلة الماضية مع بعض «الاصدقاء»السعوديين النافذين داخل المملكة، وفي بعثاتها الدبلوماسية في الخارج.. اما لماذا الشعور بان حزب الله نجح مرة جديدة في «الافلات» من «المصيدة»؟ فالامر يعود الى سلسلة من الوقائع والمؤشرات المتلاحقة التي اعطت مؤشرا واضحا على اخفاق الضربات المتتالية في اصابة الحزب في «مقتل»..في وقت لا تبدو المملكة في وضع مريح على مختلف جبهات «التماس» مع الحزب سواء في الداخل اللبناني او في الخارج….

اول المؤشرات الداخلية الدالة، نجاح حزب الله في الحفاظ على قوته ونفوذه داخل بيئته الحاضنة، المملكة راهنت على الانتخابات البلدية لقياس حجم الاضرار اللاحقة بجمهور حزب الله على خلفية ما تراه تورطا في الحرب السورية، فجاءت النجاحات المتتالية للحزب في معاقله الرئيسية لتصيب السعوديين «بالصدمة»، واذا كان الرهان قد عقد على احداث خرق في بعلبك عبر استخدام «الكتلة السنية» هناك لم ينجح، واذا كانت بلديات الضاحية الجنوبية قد جددت الاستفتاء على خيارات المقاومة، فان «النكسة» الحقيقية للسفارة السعودية في بيروت كانت سقوط انصار الشيخ صبحي الطفيلي في معقله بريتال، وكانت «الرسالة» في هذا الاطار شديدة القسوة لانها لم تعط فقط دليلا على رجحان قوة الحزب في بيئته، بل اظهرت ايضا ان هذا الجمهور لن يتوانى عن معاقبة اي جهة تتجرأ على «خيانة» قضياها «المقدسة» او التطاول على خيارات الحزب … ولم تتوقف التداعيات هنا، فاذا كان من العبث انتظار نتائج الانتخابات البلدية في الجنوب، فان المفارقة او «الصدمة» جاءت من حيث لا تحتسب الرياض، حين فضحت الانتخابات حجم تراجع حليفها الرئيسي تيار المستقبل في بيئته، وقد وضعت السفارة السعودية في بيروت ثقلها بعد «فضيحة» النتائج في بيروت، لتذليل العقبات امام اشراك «التيار الازرق» في تحالفات تمنع حصول «فضيحة» جديدة، والترجمة العملية كانت في طرابلس من خلال التفاهم الذي اضطر «المستقبل» الى نسجه مع الرئيس نجيب ميقاتي….

المؤشر الثاني هو ملف العقوبات المصرفية الاميركية على الحزب، في هذا السياق لا يبدو ان الامور تسير وفق التوقعات السعودية، بعد ان اختارت قيادة حزب الله استراتيجية «الهجوم» بدل «الانكفاء»، وبعد ان وجهت «رسائل» علنية ومن تحت «الطاولة»، والنتيجة الاولية ازدياد حجم الارباك عند الفريق الاخر، ظهر جليا الخلاف بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبعض البنوك، «جمعية المصارف» تتحضر «للنزول عن الشجرة»، وكذلك الولايات المتحدة التي قال احد دبلوماسييها ان بلاده «ستتوخى الحذر في محاولاتها لعزل حزب الله عن النظام المصرفي، بما يحمي الاقتصاد اللبناني، وهذا الامر لن يستهدف النظام المصرفي والابرياء»، ماذا يعني هذا الكلام، هو بالضبط ما يريده حزب الله، عدم التوسع في الاجراءات التعسفية ضد «بيئته»، فالاشخاص والمؤسسات المشمولة بالعقوبات الاميركية لا تملك حسابات في المصارف اللبنانية، ومجرد حصر الاجراءات وعدم المبالغة في تطبيقها يعد «نصرا» لحزب الله الذي نجح في الربط بين استمرارالتعسف في استهداف مروحة كبيرة من المودعين باستقرار الوضع المالي والمصرفي اللبناني…

وحزب الله اعاد بذلك «الكرة» الى ملعب المتورطين بهذه «اللعبة»، يدرك هؤلاء ان «الدجاجة» التي «تبيض» «ذهبا» لا يستفيد منها الحزب، وهو وجه رسالة واضحة للجميع مفادها انه «لن يسمح بان يشعر البعض بالامن المصرفي بينما لا يحظى الاخرون به، فاما امن للجميع او لا امن لاحد»، هو يعرف وهم يعرفون ان اول المتضررين من سقوط «الامن المصرفي» هم حلفاء السعودية والولايات المتحدة، ولذلك اضطر هؤلاء الى التراجع خطوة الى «الوراء» وبرز سعي خلال الايام القليلة الماضية الى صياغة مقاربة مشتركة لكيفية التعاطي مع هذا القانون ومراسيمه التطبيقية «باقل الخسائر الممكنة»…واذا ما استمر الاخفاق السعودي في عرقلة الاتفاق الذي رسم معالمه التعميم الثاني الصادر عن حاكم مصرف لبنان والذي يمنع اقفال اي حساب او رفض فتح اي حساب قبل اطلاع هيئة التحقيق الخاصة في المصرف المركزي على الاسباب الموجبة ونيل موافقتها على ذلك، الى جانب التاكيد بان توطين رواتب الوزراء والنواب المنتمين الى الحزب لا يخضع الى قوانين الارهاب وتبييض الاموال، لان الرواتب صادرة عند الدولة اللبنانية وغير مجهولة المصدر، تكون الرياض قد تعرضت «لنكسة» جديدة تضاف الى اخفاقاتها السابقة في مواجهتها المفتوحة مع حزب الله…وهذا سبب اضافي في بروز الغضب السعودي..

اما الانباء الاتية من سوريا فكفيلة بتحويل القلق السعودي الى «ذعر»، وهنا الحديث عن المؤشر الثالث، فبعد ايام معدودات على استشهاد السيد مصطفى بدرالدين، واتهام حزب المباشر للمجموعات التكفيرية بالحادثة، استعاد حزب الله بالتعاون مع الجيش السوري 13 بلدة في الغوطة الشرقية تتجاوز مساحتها ال40كلم مربعا، طبعا اطلاق تنسيقيات المسلحين على العملية تسمية «نكبة الغوطة» دليل على اهمية الانجاز الميداني لجهة انهيار خط الدفاع الاول عن تلك المنطقة والسيطرة على ما يسمى «السلة الغذائية» للغوطة، لكن لهذا الانجاز العسكري دلالات اخرى في التوقيت، وفي نوعية المجموعات المسلحة المستهدفة. فالعملية انطلقت بعد استشهاد «ذوالفقار» القائد الفعلي للعمليات العسكرية في سوريا، وفي الهجوم مؤشر واضح على ان استشهاده لم يترك اثارا سلبية على البنية العسكرية للحزب هناك، بل على العكس فان حزب الله نجح مرة جديدة في تحويل «التهديد» الى «فرصة»، وتبين ان «الخطة» التي وضعها بدرالدين بنفسه بدأ تنفيذها «وبأريحية» اكبر، حيث تجاوز الميدان القرار السياسي الذي مر بمرحلة من التردد بفعل التفاهمات الاميركية- الروسية، وبات الطريق مفتوحا امام تحقيق نتائج جدية تؤدي الى «قلب الموازين» في جبهة كانت ترى السعودية انها محيدة.. وهنا ياتي الكلام عن المجموعات المستهدفة وهي التنظيمات المحسوبة على الرياض وفي مقدمتها «جيش الاسلام»، واذا ما نجح حزب الله والجيش السوري في حذف «التنظيم» من «المعادلة» فهذا يعني اخراج السعودية نهائيا من «المعادلة» الميدانية السورية، وهذه المرة يستفيد الحزب بشكل جيد من حرب «اخوة الجهاد» في الغوطة حيث يزداد الصراع سخونة وتتساقط «اوراق» السعودية الواحدة تلو الاخرى وذلك لحساب «جبهة النصرة» «واخواتها» حيث التأثير السعودي محدود بالمقارنة مع النفوذ القطري والتركي…

هذه المؤشرات السلبية من خلال الفشل الواضح في «تحجيم» حزب الله او «ردعه»، تشير الى ان استراتيجية رفع مستوى المواجهة السعودية مع الحزب لم تكن مجدية، محاصرته بتهمة «الارهاب»، ومحاولة «عزله» اعلاميا واقتصاديا وسياسيا، لم تعط النتائج المرجوة حتى الان، لا يستطيع اي مراقب ان ينكر ان الحزب يواجه اليوم واحدة من اكثر الحملات قسوة، ولكن لا يمكن الانكار ايضا انه اظهر قدرة هائلة على «التكييف» مع «المصاعب»، والاهم السرعة في تجاوزها… المؤشرات لا تفيد بوجود قرار سعودي بالتراجع، ثمة تقويم سعودي جدي «للثغرات» في «خطة» الهجوم ..غياب التفاهمات الاقليمية حول الجبهات الساخنة، وانعدام حصول تفاهم قريب مع ايران..كلها مؤشرات على استمرار «الكباش»..لا يدعي احد ان الحزب حقق انتصارا «بالضربة القاضية»، فالمواجهة لا تزال مفتوحة.. لكن المحسوم حتى الان انه فاز «بالنقاط»…