IMLebanon

نداء باريس: مطلوب حكومة

 

القرار 1559: مطلوب رئيس

في 2 ايلول 2004 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1559 الذي طلب فيه انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان ورفض التمديد للرئيس أميل لحود. في 11 كانون الأول 2019 تبنت مجموعة الدعم الدولية للبنان في الإجتماع الذي عقدته في باريس مطلب تشكيل حكومة جديدة تستطيع أن تنقذ لبنان من الإنهيار الذي يقع فيه.

خمسة عشر عاماً تفصل بين المطلبين لم تغب في خلالها الرعاية الدولية للوضع اللبناني من قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بمتابعة قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى القرار 1701 الذي كان نتيجة حرب تموز 2006 والذي أكد استعادة الحكومة اللبنانية سيادتها الكاملة على أراضيها. صحيح أن الظروف اختلفت بين المرحلتين ولكن ثمة عاملاً مشتركاً يقوم على عدم تخلي المجتمع الدولي عن لبنان حتى لو كانت السلطة القائمة تريد أن تتخلى عن مسؤولياتها.

 

صدر القرار 1559 بينما كان لبنان يغرق في عهد الوصاية السورية الذي حاول التحكّم بكل مفاصل الحياة السياسية. كان النظام السوري قد اتخذ القرار بالتمديد للرئيس لحود في 4 أيلول 2004. لم يكن بالإمكان وقف ذلك القرار ولكن مجلس الأمن الدولي حاول أن يوصل الرسالة التي كانت مؤشراً لبدء مرحلة جديدة من التعاطي الدولي مع الأزمة اللبنانية. وكان واضحاً أن النظام السوري أراد تحدي الإرادة الدولية ذلك أنه كان يعلم أن هناك توجّها دولياً لوضع حدّ لسيطرته على لبنان بعد المعلومات التي تسرّبت عن اتفاق الرئيسين الفرنسي والأميركي جاك شيراك وجورج بوش على هذا الأمر في قمة النورماندي في حزيران من ذلك العام. وتأكيداً على هذا القرار تم تهديد الرئيس رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بأنهما يتحملان مسؤولية رفض التمديد وقد تبلغ الحريري هذا الأمر مباشرة من رئيس النظام السوري بشار الأسد ونقله إلى عدد من المحيطين به.

 

السيادة والسلاح والرئاسة

 

القرار 1559 جاء بالإجماع. كان مضمونه أوسع من مسألة انتخاب رئيس جديد لأنه أكد على دعمه القوي لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً وعلى أهمية بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية وعلى أهمية إجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة وفقا لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي وعلى مطالبته بالاحترام التام لسيادة لبنان وسلامته الإقليمية ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة حكومة لبنان وحدها من دون منازع في جميع أنحاء لبنان. ولذلك طالب جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان ودعا إلى حل جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها وكان المقصود بذلك قوات النظام السوري وحزب الله.

 

تعاطى النظام السوري مع هذا القرار بعدم إعطائه أي أهمية واعتباره كأنه لم يكن واعتبره “حزب الله” بأنه لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب فيه. ولكن على رغم ذلك تصرفا على أساس أنه أمر واقع وتطور خطير لا بد من مواجهته. التسريبات اتهمت الرئيس رفيق الحريري بأنه كان وراء هذا القرار وضمن هذا السياق في المواجهة جرت محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حماده في أول تشرين الأول 2004 وتم اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وقد فشلت التحذيرات الدولية التي أبلغت إلى النظام السوري في حمايته خصوصا أن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن المكلّف أيضا متابعة تنفيذ القرار 1559 كان مطلعاً ومدركاً لهذا الأمر وعلى هذا الأساس تم التعاطي الدولي مع قضية اغتيال الحريري وتم إرسال بعثة تقصي الحقائق قبل أن يتم تشكيل لجنة التحقيق الدولية والمحكمة الدولية.

 

 

مجموعة الدعم وروح القرار 1559

 

في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان يوم الأربعاء 11 كانون الأول الحالي كان ممثلون عن الدول التي تبنت القرار 1559 حاضرين. الإجتماع الذي استضافته باريس وشاركت في رئاسته مع مكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة لشؤون لبنان يان كوبيش، ضم ممثلين عن الصين ومصر وألمانيا وإيطاليا والكويت وروسيا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الاستثماري الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي وجامعة الدول العربية والبنك الدولي ولبنان.

 

وفي نص البيان الختامي أقر أعضاء المجموعة بأن “لبنان يواجه أزمة تضعه على شفا انهيار فوضوي للاقتصاد، وزعزعة أكبر للاستقرار. ومن أجل وقف هذا التردي المالي والاقتصادي، واستعادة الثقة في الاقتصاد، وتناول التحديات الاجتماعية والاقتصادية على نحو مستدام، يرى الأعضاء أن ثمة حاجة ملحة لإقرار حزمة سياسات كبيرة موثوق بها وشاملة لتنفيذ إصلاحات اقتصادية تعيد للبنان استقراره المالي، وتتناول أوجه القصور الهيكلية طويلة الأمد في نموذج الاقتصاد اللبناني. وتحمل هذه الإجراءات أهمية كبرى لقدرتها على تقديم إجابات عن التطلعات التي أعرب عنها اللبنانيون منذ 17 تشرين الأول.

 

وبالنظر إلى أن لبنان هو اليوم من دون حكومة منذ استقالة سعد الحريري في 29 تشرين الأول، يرى أعضاء المجموعة أن الحفاظ على استقرار ووحدة وأمن وسيادة واستقلال وسلامة لبنان ووحدة أراضيه يتطلب التشكيل السريع لحكومة تملك القدرات والمصداقية اللازمة لتنفيذ حزمة الإصلاحات الاقتصادية الضرورية من أجل النأي بالبلاد عن التوترات والأزمات الإقليمية”.

 

اللافت في اجتماع باريس وفي هذا البيان الحضور الروسي بعدما كان أعلن عن تحفظات روسية حول موضوع تركيبة الحكومة المطلوب تشكيلها وما إذا كانت سياسية أم من اختصاصيين وهو الأمر الذي ركز عليه بيان المجموعة وهذا الموقف الروسي يشبه أيضا الموافقة الروسية على كل القرارات الدولية المتعلقة بلبنان من القرار 1559 إلى إنشاء المحكمة الدولية إلى القرار 1701 وهي القرارات التي لا تزال قيد المتابعة في المحكمة الدولية في لاهاي وفي الأمم المتحدة ومجلس الأمن بدليل الإلتزام برفع تقارير دورية سنوية حول تطبيقها.

 

الأمر اللافت الثاني هو طبيعة المشاركة على مستوى الموظفين الرفيعي المستوى لا على مستوى الوزراء والمسؤولين السياسيين وفي هذا الإطار يدخل موضوع الوفد الذي مثّل لبنان وكان على المستوى الإداري برئاسة أمين عام وزارة الخارجية السفير هاني شميطلي وعضوية مدير عام وزارة المال ألان بيفاني والمدير التنفيذي لدى مصرف لبنان رجا ابو عسلي والمستشارة الاقتصادية لرئيس حكومة تصريف الأعمال هزار كركلا. وذلك بعدما كانت هناك تحضيرات ليكون الوفد برئاسة الرئيس سعد الحريري وبعد اختيار من سيرافقه. وقد يكون هذا الأمر انعكاساً لما هو مطلوب على مستوى تشكيل الحكومة.

 

رئاسة ضائعة وحكومة منتظرة

 

عندما صدر القرار 1559 كان ذلك بالتزامن مع استحقاق إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري قبل شهرين من انتهاء ولاية الرئيس المنتحب أميل لحود ولذلك تم الحديث عن “تأييد عملية انتخابية حرة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تجرى وفقا لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي”. وهو أتى في وقت كانت تحصل فيه تطورات في الداخل تؤشر إلى ما يشبه التحالف غير الظاهر تماما” بين الرئيس رفيق الحريري والوزير السابق وليد جنبلاط والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير في مواجهة سلطة عهد الوصاية. وقد كانت ثورة الأرز في 14 آذار نتيجة لتداعياته ولاغتيال الرئيس رفيق الحريري وهي التي أسست لتنفيذ الشق المتعلق منه بانسحاب الجيش السوري من لبنان. فعلى رغم التظاهرة التي نظمتها القوى المؤيدة للنظام السوري وعلى رأسها “حزب الله” تحت عنوان “شكراً سوريا” اضطر رئيس النظام السوري بشار الأسد للإنحناء أمام العاصفة الدولية ولينفذ ما كان وعد به في 5 آذار من ذلك العام بسحب جيشه من لبنان إلى داخل سوريا الأمر الذي تم في 26 نيسان 2005.

 

بيان باريس أتى بعد ثورة شعبية بدأت في 17 تشرين الأول. وهو نتيجة لها وليس سبباً كما حصل مع القرار 1559. وهو لم يتناول مسألة الإنتخابات الرئاسية لأنه جاء في ظل استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وهو يتبنى مطالب الثورة بالتغيير وبأن يكون هناك حكم نظيف في لبنان. ولكن لأنه كذلك فهو لم يكن ابن ساعته ووليد المرحلة فقط. ذلك أن هذه المجموعة الدولية كانت لها اجتماعات سابقة دعما للبنان. ففي 8 كانون الأول 2017 قبل عامين بالضبط عُقد اجتماع لهذه المجموعة برئاسة الأمم المتحدة وفرنسا أيضا وبحضور رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في باريس. وشارك في هذا الاجتماع كلٌّ من الصين ومصر وألمانيا وإيطاليا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومكتب منسّق الأمم المتحدة الخاص لشؤون لبنان والبنك الدولي. وقد تم فيه التأكيد على الإلتزام بتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان أي القرار 1559 و1701 مع الترحيب بعودة مجلس الوزراء إلى الإجتماع وتأكيده على سياسة النأي بالنفس بعد أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني 2017 خلال وجوده في المملكة العربية السعودية. وقد كان هناك اجتماع آخر في العام 2018 تركز حول موضوع دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن. كما أتى في ظل هذه السلسلة مؤتمر سيدر في 6 نيسان 2018 الذي لم تلتزم السلطة اللبنانية بالتعهدات الإصلاحية التي وردت فيه من أجل الإلتزام بالوعود التي أعطيت من أجل إنقاذ لبنان.

 

إذا كان مؤتمر سيدر أتى قبل الإنهيار فإن المؤتمر الأخير يأتي بعده. وهو يعني أولا محاولة إنقاذ أقتصادية لا بد أن تقترن بإجراءات سياسية من ضمنها تشكيل الحكومة الجديدة وهذا الأمر لا بد من ان يأخذه العهد والتيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل بالإعتبار وعدم التعاطي معه كما تم التعاطي مع القرار 1559 لأنه من الأفضل أن يكون العهد شريكاً في عملية الإنقاذ من أن يستمر بالتمسك بالسلطة ولو أدى ذلك إلى الإنتحار والإنهيار. لأنه بموجب هذا الحرص الدولي على لبنان أكثر من بعض اللبنانيين تصبح تركيبة الحكومة والمهمة المطلوبة منها أهم من رئيسها ومن مسألة وجود الوزير جبران باسيل فيها أو من عدمه.