Site icon IMLebanon

كما الـ 425 كذلك 1559 وملحقاته

 

صدر في الثاني من أيلول للعام 2004 القرار 1559 عن مجلس الأمن في الأمم المتّحدة، مطالباً جميع القوات الأجنبية المتبقية بالانسحاب من لبنان، وداعياً إلى حلّ الميليشيات اللبنانيّة جميعها، وحتّى تلك غير اللبنانيّة ونزع سلاحها، مؤيّداً بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على أراضيها جميعها. وذلك كان منذ قرابة السبعة عشر عاماً تقريباً. فهل لهذا القرار أيّ مفاعيل بعد هذه المدّة؟ ولماذا ما زال يحظى بأهميّة دوليّة؟

 

أهميّة هذا القرار بدعمه القوي لسلامة لبنان الإقليمية وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً.

 

ويشير إلى عزم لبنان على ضمان انسحاب القوات غير اللبنانية جميعها من لبنان. وفي ذلك اعتراف بأنّ سيادة لبنان هي سيادة منقوصة. ولا تقوم الأوطان بنصف سيادة. وأيّ مطالبات تحت الرايات الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة لن تتحقّق من دون الوصول إلى سيادة كاملة. وهنا بيت القصيد. لذلك على الحركات كلّها التي قامت ما بعد هذا القرار أن تضع السيادة في أوّل أولويّاتها وإلا باءت كلّها بالفشل.

 

من هنا، يجب أن يعيد شارع 17 تشرين ترتيب أولويّاته وفقاً لمندرجات هذا القرار بالذّات، لأنّه من دون تحقيق السيادة كاملة على الأراضي اللبنانيّة كلّها، لا يمكن تحقيق أيّ مطلب إجتماعيّاً كان أم اقتصاديّاً أم غير ذلك. إنّ وجود “حزب الله” اللبناني المدجّج بترسانة من الأسلحة التي باتت منذ تاريخ صدور هذا القرار إلى اليوم أسلحة ذكيّة كأنّه لا توجد دولة في لبنان. ولأنّ الفترة التي تلت صدور القرار 1559 كانت تليها انتخابات رئاسيّة حيث أكّد على أهمية أن تكون انتخابات حرّة ونزيهة وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي، تتشابه الأزمنة.

 

يؤكّد القرار مجدّداً مطالبته بالاحترام التامّ لسيادة لبنان وسلامته الإقليميّة ووحدته واستقلاله السياسي تحت سلطة حكومة لبنان وحدها من دون منازع في جميع أنحاء لبنان. واليوم ما زلنا في الدّوامة نفسها، وهذا ما يؤكّد صوابيّة هذا القرار وضرورة العمل على تطبيقه، لا سيّما ما نصّه في موضوع السيادة والاستقلال السياسي، لأنّهما ليستا تحت سلطة حكومة لبنان، بل تحت سلطة “حزب الله” بالمباشر، وليس حتّى تحت سلطة الحكومة التي يسيطر عليها. بل الحكومة تتلقّى فقط الأوامر الصادرة عن حارة حريك.

 

يطالب القرار القوات الأجنبية المتبقية جميعها بالانسحاب من لبنان. صحيح أنّ القوّات السوريّة قد انسحبت في 26 نيسان من العام 2005 إلا أنّ لبنان موضوع تحت احتلال إيراني بالذراع اللبنانيّة. وهذا ما لم يُنَصُّ عليه. وهذا بدوره بحاجة إلى ديباجة جديدة لتصبح فعالة في لبنان. ماذا وإلا، ستبقى سيطرة “حزب الله” عبر سيطرته التّامّة على مؤسسات الدّولة عملاً سياسيّاً مشروعاً، بغضّ النّظر عن تحقيقه هذه السيطرة بقوّة السلاح غير الشرعي.

 

يدعو القرار إلى حلّ الميليشيات اللبنانية جميعها ونزع سلاحها. وهنا بيت القصيد، إذ يستخدم “حزب الله” البيانات الوزاريّة نازعاً عن نفسه صفة الميليشيا، ومنصّباً نفسه “مقاومة” ليحتفظ شرعيّاً بسلاحه. وهذه المسألة لا تنطلي على أحد بعد اليوم. فهو ميليشيا مسلّحة مثله مثل باقي الميليشيات التي شاركت في الحرب الأهليّة. وإلا ما الذي يمنع مثلاً أيّ حزب لبناني اليوم من التسلّح بذريعة محاربة إسرائيل؟

 

المطلوب إذاً نزع سلاح الميليشيات كلّها ومن ضمنها “حزب الله”. وواضح القرار إذ لم ينصّ على تسليم السلاح بل على نزعه. وهذا ما لا يستطيع أيّ جهاز لبناني القيام به. لذلك يجب العمل على بلورة قناعة وطنيّة لدى الحزب بضرورة تسليم سلاحه طوعاً. وهذا محال بحسب تصريحات قادته. لذلك المطلوب هنا بالذات دور فعال للمجتمع الدّولي لتمكين الدّولة اللبنانيّة من تحقيق هذا البند. وذلك استناداً إلى ما ورد في البند السادس من القرار المذكور الذي “يطالب الأطراف الدوليّة المعنية جميعها بالتعاون تعاوناً تامّاً، وعلى وجه الاستعجال، مع مجلس الأمن، من أجل التنفيذ الكامل لهذا القرار، ولجميع القرارات ذات الصلة بشأن استعادة لبنان لسلامته الإقليميّة، وكامل سيادته واستقلاله السياسي”. وذلك كلّه سيؤدّي إلى بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية؛ كما نصّ القرار المذكور.

 

ولأنّ هذا القرار وبعده القرار 1680، و1701 لم يتمّ تحقيق منها إلا اليسير الذي يتوافق ومصلحة المنظومة الحاكمة بالتوأمة مع المنظّمة، فهذه القرارات ما زالت سارية المفعول حتّى هذه اللحظة. ولبنان مع المجتمع الدّوليّ معنيّان بتطبيقها بالكامل. كما حدث بالنسبة إلى القرار 425. وعلى اللبنانيّين المنتشرين في الأصقاع الأربعة العمل مع وزارات الخارجيّة في بلادهم على الدّفع نحو تطبيق هذه القرارات، وتلك ذات الصلة التي تعيد سلطة الدّولة على أراضيها بالكامل، بما فيها الموانئ والمطار. ما يعني ذلك اعترافاً دوليّاً ضمنيّاً بأن لا سلطة للدولة اللبنانيّة على مرفأ بيروت.

 

ذلك كلّه، يوضح الحملة المسعورة التي تعرّض لها سيّد بكركي في اليومين المنصرمين نتيجة لقوله هذه الحقائق مجتمعة. إضافة إلى التهجّم الدائم على المجتمع الدّولي من قبل المنظّمة والمنظومة. لكنّ ذلك لن يدوم إلى ما لا نهاية. التطوّرات الإقليميّة كلّها من إيران إلى أفغانسان فتركيا وسوريا تنبئ بتغيير جذريّ قادم إلى المنطقة، ولبنان لن يكون جائزة لأحد، بل لبنان سيعود إلى الدّولة واللبنانيّين الأحرار شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.