عزّزت المذكّرة الخليجية والكلام الدولي عن القرار 1559، احتمالات ذهاب المجتمع العربي والدولي إلى تصعيد الكلام حول الانتخابات الرئاسية ورفض التمديد لرئيس الجمهورية ميشال عون
منذ أن تسلّم لبنان الورقة الخليجية، من وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح، وإعداد لبنان ورقة الردّ وتسليمها للكويت، كانت السجالات المباشرة وغير المباشرة تدور حول البند الرابع من القرار المتعلّق بـ«حلّ الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها».
ثمّة وقائع تتوقف عندها أوساط سياسية مطّلعة على ما يدور من نقاشات خليجية، لا تحصر الورقة أو عودة الكلام في محافل دولية عن القرار الأممي، بفقرة نزع سلاح حزب الله.
أولاً، لا شك في أن الورقة الخليجية حرّكت بعض المياه الراكدة في المقاربة الإقليمية حيال لبنان. لكن من الصعب تخطي واقعة أن هذه الورقة هي بطاقة الخروج الخليجي من أزمة لبنان وليس الدخول إليه. قد يبدو ذلك مفارقة خارجة عن المألوف السياسي في سياق الحدث الخليجي، وارتباطه بامتناع الرئيس سعد الحريري عن خوض الشأن السياسي والانتخابي. لكنّ الورقة السعودية المغطاة خليجياً، وُضعت كي تُرفض، والذين صاغوها يعرفون تماماً أن لبنان بحالته الراهنة، وفي ظل «النفوذ» الذي يمارسه حزب الله، لا يمكن أن يقبل بإعطاء ردّ الموافقة الكاملة على البنود الخليجية. وهذا تماماً ما حصل مع الجواب اللبناني الذي سُلّم للكويت على هامش الاجتماع التشاوري لاجتماع وزراء الخارجية العرب. فالديبلوماسية السعودية والخليجية، ولا سيما مع دخول الكويت طرفاً فيها قافزةً فوق سياستها المحايدة التقليدية، استجابتْ للمطالب التي رُفعت إليها لبنانياً ودولياً للتدخل لمساعدة لبنان. لكنّها وضعت أطر التدخّل وفق ما تقتضيه سياستها المتّبعة حالياً بالنأي بنفسها، أي أنها ستعمل ما يحقق مصالحها ومصالح لبنان بحسب رؤيتها له، وهي العالمة أن تركيبة السلطة الحالية لا يمكن أن تسمح بتنفيذ بنود الورقة، تكون حرّرت نفسها أمام اللبنانيين والعواصم الدولية، التي تطالبها بوقف سياسة الامتناع عن المساهمة في حلول للأزمة اللبنانية. وهذا التحرّر يجعل من كل الخطوات اللاحقة مبرّرة، على كل الصعد التي امتنعت حتى الآن عن اتخاذها. علماً أن المدافعين عن الورقة يستغربون ردّة الفعل اللبنانية وما يثار حول القرار 1559 الذي هو في جزء منه نسخة بتعديلات طفيفة عمّا ورد في اتفاق الطائف.
يتزايد الكلام عن مقايضة التمديد للمجلس النيابي بالتمديد لرئيس الجمهورية
ثانياً، رغم الأهمية القصوى للبند المتعلق بسلاح حزب الله، الذي يعتبر أن الحكومات المتعاقبة شرّعت وجوده باعترافها بمقاومته وليس بكونه ميليشيا، إلا أن هناك نقطة أساسية، تفسر إعادة المطالبة عربياً ودولياً بتنفيذ القرار 1559. وتذكيراً، فإن البيان السعودي – الفرنسي المشترك، الذي صدر في أعقاب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسعودية نهاية العام الماضي، طالب بتنفيذ القرار المذكور مع القرارين 1701 و1680، وهذا التذكير ليس من باب اللغة الإنشائية وتكرار لازمة تنفيذ القرارات الدولية، بدليل المذكّرة الخليجية.
قبل 24 ساعة من التمديد للرئيس إميل لحود عام 2004، صدر القرار 1559. كان المجتمع الدولي يحاول الوقوف في وجه قرار الرئيس بشار الأسد بالتمديد للحود بدل انتخاب خليفة له. وجاء في مقدمته أن مجلس الأمن «يدرك أن لبنان مقبل على انتخابات رئاسية يؤكد أهمية إجراء انتخابات حرّة ونزيهة (…) يعلن تأييده لعملية انتخابية حرة ونزيهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة تجري وفقاً لقواعد الدستور اللبناني الموضوعة من غير تدخل أو نفوذ أجنبي».
من الواضح، بحسب الأوساط المذكورة، أن ما يشغل بال المجتمع الدولي والعربي إجراء الانتخابات الرئاسية، بعد الانتخابات النيابية. والمذكّرة الخليجية، بعد زيارة ماكرون للسعودية، تعطي هذا الأمر بعداً آخر، يضاف إلى المطالبة بنزع سلاح حزب الله. فمنذ كلام رئيس الجمهورية ميشال عون عن مرحلة ما بعد انتهاء ولايته، وموضوع الانتخابات الرئاسية يأخذ في لبنان حيزاً أساسياً من الاهتمام المحلي والخارجي. علماً أن الكلام عن مقايضة تتعلق بالتمديد للمجلس النيابي ولرئيس الجمهورية، يتوسّع في الوسط السياسي. والتجربة دلّت في لبنان إلى أن كل شيء وارد، بعد تجارب التمديد السابقة، ورغم أن عون كان ضد كل أساليب التمديد من المجلس النيابي إلى قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية. لكن منذ أن بدأت الشكوك تتعلق بوضع التيار الوطني الحر في الانتخابات النيابية، ووضع رئيس التيار جبران باسيل وحظوظه الرئاسية، بعد العقوبات الأميركية والتشدّد الفرنسي تجاهه، بدأ الكلام عن مرحلة ما بعد عون في قصر بعبدا يتوسّع في شكل جدي، من دون أن يحاول أي طرف من المعنيين الأساسيين نفيه. لا بل إن سيناريو التمديد بات أكثر تداولاً كونه الأسهل تحقيقاً. وهنا مكمن المطالبة الخليجية التي تتلاقى في هذه النقطة مع المجتمع الدولي، الذي يصرّ على إجراء انتخابات رئاسية، وتفادي التمديد للعهد الحالي في ظل ظروف مقاطعة شبه شاملة له أسوةً بما شهده عهد الرئيس إميل لحود.