IMLebanon

لا للـ1701… نتنياهو لا يقبل بأقل من الـ1559

 

 

مع تسارع وتيرة العمليات الإسرائيلية على الخطّ الحدودي، وبنحو مكثّف عبر محوَرَي كفركلا ومارون الراس ـ يارون، بدأت تتبلوَر شيئاً فشيئاً توجّهات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمراحل المقبلة من الحرب التي يشنّها على لبنان براً وبحراً وجوّاً.

في الأيام التي سبقت الإعلان عن بدء «عملية برّية محدودة ومركّزة» في جنوب لبنان بحسب الجيش والحكومة الإسرائيليَّين، ولحقت بها، فإنّ الصورة تكشّفت رويداً رويداً، بعد تكثيف الغارات الجوية على الضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع والبلدات الجنوبية، علاوةً على استمرار عمليات اغتيال قادة «حزب الله»، وأبرزها أخيراً إعلان نتنياهو «اغتيال نصرالله وخليفته»، في إشارة إلى السيد هاشم صفي الدين الذي رجّح كثر وصوله إلى الأمانة العامة خلفاً للسيد حسن نصرالله.

 

وفيما تحاول الحكومة اللبنانية الحفر في الصخر الديبلوماسي لإيجاد حَلّ مع نظرائها الأوروبيِّين، بما أنّ المساعي الأميركية غير مبشّرة، يشير مصدر أوروبي في لبنان لـ»الجمهورية» إلى أنّ مفاوضات لوقف إطلاق النار «معرقلة لسببَين أساسيَّين:

الأول والرئيسي يَكمُن في أنّ «حزب الله» يُصرّ على ربط نفسه بغزة، وهذا ما ضيَّع وسيُضيِّع عليه مزيداً من الفرص في السياسة.

والثاني هو طموحات إسرائيل بإنهاء أي وجود عسكري معادٍ على حدودها، أي أنّ القرار 1701 الذي يقضي بالرجوع إلى ما وراء الليطاني غير كافٍ على الإطلاق بالنسبة إليها، لأنّ الصواريخ يمكن إطلاقها من البقاع وإيصالها إلى الشمال الإسرائيلي».

 

ويشرح المصدر أنّ إرجاع «حزب الله» إلى الوراء على مستوى الميدان غير مُجدٍ من وجهة النظر الإسرائيلية، وربما الأميركية، لأنّ ذلك «سيخلق حدوداً شمالية جديدة تتطلّب حرباً مماثلة أخرى. لذلك، يحاول نتنياهو البناء على انتصاراته العسكرية في الأسابيع الستة الأخيرة، من خلال وصول إلى نزعٍ تام لسلاح «حزب الله»، بشيء مماثل للقرار 1559».

 

ويقضي القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أولاً بانسحاب جميع القوات الأجنبية من لبنان – وهذا ما لا تفعله إسرائيل في حربها اليوم، فيما ينضوي في مستوىً ثانٍ على حَلّ جميع الميليشيات في لبنان وتجريدها من سلاحها – هنا يكون بنزع سلاح «حزب الله» آخر الأحزاب اللبنانية المسلّحة بعد الحرب الأهلية.

 

ويعتقد المصدر التابع لسفارة أوروبية في لبنان، لكنّه غير مخوّل بالحديث عن المفاوضات، أنّ «الأمور ذاهبة إلى تصعيد ميداني، على رغم من حديث نائب الأمين العام في «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم عن استمرار الحرب وهو لم يُصوِّب على ربط مسار حرب جنوب لبنان بغزة، إلّا أنّ بياناً قد صدر لاحقاً أشار إلى ربط المسارَين ببعضهما. فربما يشير ذلك إلى بدء بزوغ تحوّل في المسار لدى البعض في «حزب الله»، في حال أراد الاستمرار بفعالية كبرى على المستوى السياسي، لأنّ المستوى العسكري سيتطلّب منه الفوز بالحرب فقط».

 

ولتحديد ماهية الفوز بالحرب بالنسبة إلى «الحزب»، رفض المصدر تحديد ما إذا كان عبر منع القوات الإسرائيلية من الوصول إلى نهر الأولي شمال صيدا أو الى شمال الليطاني، أو حتى الوصول إلى وقف إطلاق نار موقت مع تأجيل لعودة سكان شمال إسرائيل بنحو حاسم إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.

 

ويرى المصدر أنّ الوضع معقّد أكثر من ذلك، «لأنّ الحرب لن تتوقف إلّا بتراجع عسكري لـ»حزب الله»، ولن يقبل الإسرائيليّون بأقلّ من ذلك، فهم اغتالوا أمينه العام واخترقوه استخباراتياً وتفوّقوا عليه في 6 أسابيع متتالية»، غامزاً من باب التوقعات باستمرار الحرب على جنوب لبنان «على الأقل حتى كانون الأول المقبل، وهناك إمكانية لتمديدها مع رصد اعتمادات إضافية لها في الموازنة الإسرائيلية للسنة المقبلة».

 

في المقابل، يعيش لبنان أوضاعاً اقتصادية كارثية لا يمكن أن تتحسّن بوصول مساعدات لأنّها موقتة وأشبه بإبرة «مورفين» للجم الوجع موضعياً ولوقت محدود جداً. من هذه النقطة ينطلق المصدر للإشارة إلى أنّ «الأوضاع الاقتصادية مع اشتداد الشتاء ستُثقِل كاهل «حزب الله» وليس فقط الحكومة اللبنانية، فمَن سيعتني بأكثر من مليون نازح؟ هناك أزمة غذائية وسكانية كارثية تهدّد لبنان. من هنا تأتي ورقة الضغط الإسرائيلية المقبلة».

 

ويشرح المصدر أنّ «الحكومة الإسرائيلية لا تعطي ضمانات باستمرار خطوط إمداد جوية أو بحرية أو برية كاملة، إنّما تطمينات موقتة، وذلك لتشديد ضغطها الاجتماعي والسياسي، وكأنّها تدرك أنّه لا يمكن إنهاء «حزب الله» كما لا يمكن إنهاء «حماس» في غزة، لأنّهما متجذّران اجتماعياً وإيديولوجياً، فيتطلّب معالجة الأمر تقوية الدولة اللبنانية أو إعادة بنائها، لكنّ جميع الأطراف الأوروبية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، يعتقدون أنّه لا يمكن أن تكون الدولة اللبنانية قوية وباسطةً سيطرتها على كل أراضيها بوجود «حزب الله» كجيش، إنّما المطلوب أن يكون كفريق سياسي فقط».

 

أمام هذا الواقع، لا تشير مجريات الأمور العسكرية و»الديبلوماسية المعطوبة» إلى انكفاء ولو محدود لغيوم الحرب، إنّما يُتوقّع أن تتوسّع رقعتها إذا ما نجح الإسرائيليّون في تجاوز دفاعات «حزب الله» من القرى الحدودية إلى الليطاني أولاً، ثم الى الأولي. لكنّ الأفق الاجتماعي ـ الاقتصادي لا شكّ في أنّه ملبّد أكثر من صعوبة الوضع العسكري في الميدان، والتحدّيات أمام حكومة تصريف الأعمال أكبر وأقوى ممّا هي قادرة على تحمّله.