قال ديبلوماسي عربي انّ ظروف تنفيذ القرار 1559 غير متوافرة بعد، ولكن هذا لا يعني انّ «حزب الله»، والكلام دائماً للديبلوماسي، يستطيع الدخول في المرحلة الجديدة التي ستَلي الانتخابات النيابية ومن ثم الرئاسية من دون أن يُقدم على تنازل جدي.
قدّم الديبلوماسي العربي قراءته للواقع اللبناني والحلول الممكنة، مُركّزاً على ثلاثة جوانب أساسية:
الجانب الأول يتعلّق بالانتخابات النيابية وضرورة انتظار نتائجها، لأنّ القوى السياسية على اختلافها، موالاة ومعارضة وثورة، تعاملت مع هذا الاستحقاق بجدية تامة واعتبرته معياراً أساسياً لإعادة إنتاج السلطة، وبالتالي يجب انتظار ما ستفرزه الصناديق ليُبنى على الشيء مقتضاه، ولا يمكن مقاربة مرحلة ما بعد الانتخابات قبل معرفة نتائجها التي تتراوح بين عودة القديم إلى قدمه مع فروقات بسيطة وطفيفة، وبين مفاجآت تعيد خلط الأوراق. ولذلك، الكلام الجدّ والفعلي يبدأ بعد 15 أيار، الأمر الذي ينطبق بدوره على القوى الدولية التي تمسكت بإجراء الانتخابات في موعدها، وتحرص على نزاهتها، وتنتظر نتائجها.
الجانب الثاني يتصل بضرورة تفاهم اللبنانيين على تصور إنقاذي لإخراج بلدهم من الأزمة المالية المتمادية والتعامل مع الانتخابات على قاعدة انّ ما بعدها يختلف عن ما قبلها، وكل القوى السياسية مطالبة بوضع الماء في نبيذها والتسليم بنتيجة الانتخابات، فلا يعقل تجاوز هذه المحطة والتعامل معها وكأنها غير موجودة، إنما يفترض ان تشكّل محطة لِطَي صفحة الانقسام الذي تَفاقم مع الثورة والانهيار.
الجانب الثالث يرتبط بالقوى الغربية والعربية الحريصة على استقرار لبنان، والتي ستبقى ساهرة على أوضاعه ولن تسمح بانهياره ولا بأن يكون قراره بيد دولة إقليمية، والحضور الدولي الذي سيتكثّف في المرحلة المقبلة أحد أهدافه توجيه رسالة إلى طهران بأنّ لبنان يشكل جزءاً لا يتجزّأ من المجتمعين الدولي والعربي وسَلخه عنهما لن يتحقّق.
ورأى الديبلوماسي العربي انّ التسوية النهائية في لبنان المتصلة بتسليم «حزب الله» سلاحه للدولة لم تنضج ظروفها بعد كَون هذا السلاح يرتبط بالاتفاق الأميركي-الإيراني من جهة، والسعودي-الإيراني من جهة أخرى، ومصلحة اللبنانيين في هذه المرحلة بالذهاب إلى تسوية جزئية تُفرمل الانهيار وتُعيد ترميم الأوضاع، لأنه خلاف ذلك سيبقى لبنان في دوامة الأزمة وتزداد الخطورة من الانهيار الشامل بفِعل انّ المجتمع الدولي لن يضع جهودا استثنائية لفصل الأزمة اللبنانية عن أزمة المنطقة، وقدّم الديبلوماسي ثلاثة أمثلة عن مقصده من دون أن يستفيض في الشرح: الأزمة السورية التي تراوح من دون حل نهائي منذ ما يقارب العقد من الزمن، الأزمة العراقية في ظل التخبُّط السياسي والفراغ الدستوري، والأزمة الأوكرانية.
ودعا الديبلوماسي اللبنانيين إلى الاستفادة من عاملين أساسيين والتأسيس عليهما لتحسين الأوضاع اللبنانية: الانتخابات النيابية التي ستعيد إنتاج توازنات جديدة على وَقع زخم شعبي وسياسي، والعامل الثاني يتصل بالمبادرة الفرنسية-السعودية برعاية أميركية والرامية إلى توفير مستلزمات الصمود للبنانيين وتحصين الوضع اللبناني، كما دعا الديبلوماسي إلى التمسُّك بثلاثة شروط أساسية تشكِّل المدخل لأي تسوية جزئية جديدة تقود لبنان تدريجاً إلى شاطئ الأمان:
الشرط الأول، ان تكون حكومة ما بعد الانتخابات النيابية او الرئاسية إمّا حكومة من لون واحد، وإمّا حكومة أكثرية من دون ثلث معطِّل، والمفتاح بيد رئيس الحكومة لا رئيس الجمهورية، بمعنى ان لا يقبل بتكبيله من خلال الثلث المعطِّل، وان لا يقبل بتخصيص اي وزارة لأي طائفة او فريق سياسي، فإذا لم يتم القطع مع تجربتي الثلث وبدعة الحقائب لطوائف، فيعني عود على بدء وفالج ما تعالج، وبالتالي الخطوة الأولى ان يتمسّك الرئيس المكلّف بمعايير واضحة لتأليف حكومته.
وعاد الديبلوماسي العربي بالذاكرة إلى تجربة الرئيس فؤاد السنيورة في رئاسة الحكومة والذي تمّت مواجهته بالحصار والتعطيل وإقفال بيروت وصولاً إلى استخدام السلاح في أيار 2008، ولكنه لم يساوم ولم يخضع، وعلى رغم استقالة الثنائي الشيعي في سياق الضغط عليه لم يقبل بأن تتعطّل حكومته او ان يخضع لابتزاز، وحكومته الأولى أقرّت المحكمة الدولية في إنجاز قادَ إلى كشف هوية الجهة التي اغتالت الشهيد رفيق الحريري، ودعا الديبلوماسي نفسه إلى تكليف شخصية لا تخضع لضغوط وابتزاز ولا تُساوم على الدستور، وأكد انه لو استمرت تجربة السنيورة في السرايا الحكومية لِما وصل لبنان إلى ما وصل إليه.
الشرط الثاني، أن تعطي حكومة ما بعد الانتخابات انطباعاً بأنّ لبنان دخل في مرحلة مختلفة وعصر جديد، الأمر غير الممكن ما لم تعتمد سياسة قائمة على ثلاث طبقات أساسية: طبقة الشروع في مسار إصلاحي واضح ولا يخضع لابتزاز ومعارضة، وطبقة تحصين إدارة الدولة ومؤسساتها بدءاً من السلطة القضائية بعيداً عن المساومات والسمسرات، وطبقة ان تكون الدولة هي الفيصل والحكم في كل شيء، وان لا تسمح بتعكير علاقاتها مع اي دولة عربية او غربية، وان تمارس سلطتها من دون شريك وبعيداً عن الخوف من ممارسة دورها.
الشرط الثالث، ان يخرج «حزب الله» من سوريا، وهذا الخروج يعني خروجاً من قتاله وتدخله في الساحات العربية، فما حصل مع اندلاع الحرب السورية كشف لبنان عربياً وأسقطَ حجة «حزب الله» بأنّ الهدف من سلاحه الدفاع عن لبنان في مواجهة إسرائيل، وتردي العلاقات اللبنانية مع الدول الخليجية بدأ مع خروج الحزب من لبنان، فيما قبل هذه المحطة كانت الدول الخليجية تشجِّع حتى على الحوار معه، ولكنه أسقطَ بتدخّله في الشؤون العربية كل الجسور الممكنة.
وقال الديبلوماسي نفسه الجميع يدرك انه على رغم انّ القرار 1701 ينصّ بشكل واضح على انّ المنطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني يجب ان تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة عَدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات اليونيفل، فإنّ «حزب الله» يتواجَد في هذه المنطقة ولو بشكل غير ظاهر، وترسانته العسكرية والصاروخية مخزّنة داخلها، ولكنه يتلافى الظهور العلني الذي يبقى محصوراً بقوات اليونيفل والجيش اللبناني، وخلاصة هذه التجربة انّ أوان تطبيق القرار 1559 لم يَحن بعد، ولكن تحرُّك الحزب مضبوط بشكل أو بآخر تحت سقف القرار 1701.
وتابع الديبلوماسي: الأمر نفسه يجب ان ينسحب على الحدود الدولية اللبنانية مع سوريا، لأنّ الفريق نفسه الذي يتمسك بسلاحه في مواجهة إسرائيل يتمسّك بدوره العسكري خارج لبنان، وبالتالي الحلّ في توسيع مهمة اليونيفل تنفيذاً للقرار 1680، وهذا القرار ينص صراحة على ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ومعلوم تاريخياً انّ هذه الحدود شكلت إشكالية دفعت المؤتمرين في اتفاق الطائف إلى إضافة عبارة «ألا يكون لبنان ممراً او مستقراً لأي قوة او دولة او تنظيم يستهدف المساس بأمنه او أمن سوريا، والعكس صحيح». وبالتالي، انطلاقاً من حساسية الحدود اللبنانية-السورية، وانطلاقاً من انّ ارتباط دور «حزب الله» بالدور الإيراني، وانطلاقاً من كون المشكلة في الجانبين الإسرائيلي والسوري هي مع الحزب، يجب ان يُصار إلى توسيع مهمة القوات الدولية لضبط الحدود مع سوريا على غرار ضبطها مع إسرائيل وخروج الحزب عسكرياً من سوريا والدول الأخرى.
فلا يمكن الشروع في مرحلة جديدة بسياسات قديمة، وعلى غرار التزام «حزب الله» الهدوء مع إسرائيل عليه التزام التهدئة مع الدول الخليجية والعربية، والعودة إلى ما قبل العام 2011، لأنه بعد هذا التاريخ تحوّل سلاحه إلى خطر إقليمي فيما المطلوب حَصر تداعياته داخل البقعة اللبنانية بانتظار إيجاد الظروف المواتية لحل هذه الإشكالية.
فعنوان المرحلة الأساسي يجب ان يكون تطبيق القرار 1680 وحصر تداعيات القرار 1559 بالحيّز اللبناني بعدما أدى تدخّل «حزب الله» العسكري في الدول العربية إلى توسيع رقعة دور الحزب وضرر سلاحه، ودعا الديبلوماسي أخيراً إلى التشدُّد في تطبيق نصوص أي تسوية جديدة، لأنّ لبنان لم يصل إلى ما وصل إليه سوى بسبب التراخي الذي بدأ منذ العام 2009.