لم تعد الحياة بالنسبة إلى المستوطنين الاسرائيليين، خصوصاً في جنوب غزة وشمال لبنان، ما بعد 7 تشرين الأول 2023، كما قبلها. خوف المستوطنين من العودة إلى منازلهم، خشيةً من تنفيذ عمليات أخرى مشابهة لـ»طوفان الأقصى»، خصوصاً من «حزب الله» الذي يعتبرون أنّ قوته مضاعفة لقوة حركة «حماس»، شكّل عاملاً أساسياً لدى إسرائيل لتوجيه ضربة قاسية لـ»الحزب»، وذلك منذ بداية الحرب في غزة، وهذا الأمر ليس جديداً أو مستجداً، وليس مرتبطاً فقط بالصواريخ التي تتلقاها إسرائيل من الحدود الجنوبية للبنان.
مع مرور أكثر من شهرين على بداية الحرب في قطاع غزة وما استتبعها من مناوشات بين «حزب الله» وإسرائيل، اتضح أنّ الدول والجهات المعنية كافةً لا تريد توسُّع رقعة الحرب لا في لبنان متخطيةً قواعد الاشتباك، ولا في أي ساحة أخرى من ساحات المنطقة. لا الولايات المتحدة الأميركية ولا إيران ولا «حزب الله» ولا أي دولة أوروبية أو عربية، تريد حرباً واسعة في المنطقة. إسرائيل فقط هي العامل المتغيّر و»الأكيد» في الوقت نفسه، في هذه الحرب، بحسب مصادر ديبلوماسية مطّلعة. فأحد لا يعلم ماذا يدور في رأس الإسرائيليين، حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو و»جماعته» لا يعلمون ماذا يريدون وإلى أين هم ذاهبون. وبالتالي، أحد لا يعلم كيف ستنتهي هذه الحرب وماذا ستكون حدودها وإلى أي مدى ستصل. وعلى رغم أنّ واشنطن لا تريد توسُّع الحرب، إلّا أنّ الأكيد أنّ اسرائيل لن تستطيع إعادة المستوطنين وهيبة جيشها في الوقت نفسه، من دون إثبات «إزالة» الأخطار المحدقة من «الحزب» و»حماس».
بناءً على هذا الوضع الغامض والخطير، من غير المحسوم حتى الآن، إذا كانت النيران ستشتعل أينما كان أم أنّه سيُصار إلى تسوية تحدّ من الحرب، بحسب المصادر نفسها، علماً أنّ هناك «أزمة وسطاء»، فواشنطن لا تتفاوض مباشرةً مع «حماس»، وروسيا لا يمكنها أن تكون وسيطاً تبعاً لموقفها المندّد بالارتكابات الاسرائيلية رداً على وقوف اسرائيل مع أوكرانيا ضدّ روسيا. هذا في وقتٍ تتعرّض دول كثيرة أوروبية وغيرها، ومنها حاضرة الفاتيكان، لضغوط كبيرة جداً من اسرائيل ومن مجموعات يهودية لتبنّي الموقف الاسرائيلي من الحرب في غزة، وكلّ جهة تحرص على أن لا تكون طرفاً في هذه الحرب ولا تتبنّى الموقف الاسرائيلي، يُعتبر موقفها على أنّه ضدّ اليهود والسامية ويعمد الاسرائيليون إلى نبش الماضي والتذكير بـ»الهولوكوست». وفي الغرب، لا دولة غير الفاتيكان تترك الباب مفتوحاً، إذا طُلب منها أن تعمل في اتجاه تقريب وجهات النظر ووضع حدّ للحرب، فالجانب الإسرائيلي- اليهودي «مُجيّش» في أوروبا وفي كلّ أنحاء العالم، للضغط في اتجاه تأييد ما ترتكبه اسرائيل.
إنطلاقاً من هذه الوقائع، ومن أنّ «الجنون» الاسرائيلي لم يُلجم بعد، لا يزال الحديث عن تسوية بين اسرائيل و»حزب الله» في بداية بداياته، بحسب المصادر الديبلوماسية إياها. ذلك لأنّ هذه التسوية مرتبطة بالوضع الإقليمي كلّه، وبمصير الحرب في غزة، فلا تسوية جنوب لبنان قبل ذلك، إذ إنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سبق أن أعلن أنّ فتح الجبهة الجنوبية هدفه «مساندة» غزة وحركة «حماس»، وبالتالي لن «يُطمئن» الاسرائيليين طالما الحرب على غزة و»حماس» مستمرّة بهذا العنف. وتشدّد هذه المصادر على أنّ أحداً لا يعرف ماذا سيحصل بعد أسبوع أو اثنين، والمعلوم حتى الآن، أنّ أحداً لا يريد حرباً كبيرة في المنطقة، باستثناء اسرائيل، وأنّ اسرائيل تهدّد بأنّها تريد إبعاد «حزب الله» عن الحدود، إن عبر التفاوض أو بالحرب.
وبالتالي، إنّ ما يُنقل عن تهديد فرنسي أو غيره لـ»حزب الله» بالانسحاب إلى جنوب الليطاني وإنشاء منطقة عازلة خالية من وجود عناصر «الحزب» في القرى الحدودية، وتطبيق القرار 1701، لا يزال، إذا صحّ، في إطار نقل التهديدات الاسرائيلية. إنّما ما هو ليس واضحاً بعد، وهو الأساس، ما هو العرض؟. وتشير المصادر الديبلوماسية نفسها إلى أنّ تعديل القرار 1701 أو تغييره أو أخذه إلى الفصل السابع، كلّها تتطلّب قراراً في مجلس الأمن يجب أن توافق عليه الدول الخمس، وسيُجابه أي قرار كهذا بفيتو من روسيا أو الصين أو كلتي الدولتين. وبالتالي هذه الطروحات لا تزال سابقة لأوانها، وكلّ السيناريوهات المطروحة لا تزال في بداياتها. فضلاً عن أي تسوية، إذا وافق «حزب الله» على الانسحاب من جنوب الليطاني، ستكون ضمن «باكيج»، يضمّ الخط الحدودي من كفرشوبا والغجر ومزارع شبعا، بحيث يجب أن تنسحب إسرائيل من هذه المناطق وعن الحدود أيضاً. وهذا يتطلّب أن توافق اسرائيل على ذلك وأن يسير «الحزب» بهذه التسوية، ما لم ينضج بعد. وحتى الآن، لا عرض جدّياً واضحاً، ولا تبيان للنية الإسرائيلية، بحسب المصادر نفسها. أمّا من جهة «حزب الله»، فتقول مصادر قريبة منه: لسنا جيشاً لننسحب.