IMLebanon

القرار 1701: روايات لحود وسليمان والسنيورة

 

يحتدم الصراع حول الشغور في قيادة الجيش وطريقة منع حصوله بالتزامن مع طرح مسألة تطبيق القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بعد حرب تموز 2006، ومع اتهام قائد الجيش العماد جوزاف عون بأنه يساهم في العودة إلى وضع هذا القرار موضع التنفيذ للإنتهاء من الفوضى الحاصلة في الجنوب وإبعاد «حزب الله» وسلاحه من منطقة جنوب الليطاني، بينما «الحزب» يقاتل لدعم موقف حركة «حماس» في قطاع غزة. بالعودة إلى المرحلة التي ولد فيها القرار 1701 ثمّة روايات كثيرة لعلّ أهمها روايات رئيس الجمهورية وقتها إميل لحود، ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وقائد الجيش العماد ميشال سليمان.

كيف تصرّف سليمان؟

 

في الرواية التي نقلتها «نداء الوطن» في 1 شباط الماضي عن أوساط رافقت العماد ميشال سليمان، شارك الجيش في حرب تمّوز 2006 في التصدّي للعدوان الإسرائيلي على رغم أنّه لم يكن له رأي في قرار الحرب. عندما تمّ قصف ثكنة اللويزة وسقط عدد من الشهداء جمع قائد الجيش ضباط القيادة وقال لهم: «في المرحلة المقبلة نحن سنكون في الجنوب. انتبهوا أكيد رح ندفع دمّ. مطلوب منّا أن نتدخّل ونشتبك مع العدو في أي مكان يحصل فيه اشتباك مع المقاومة ولو لم يكن من ضمن قطاعات تابعة للجيش». القرار 1701 كان صار واضحاً أنّه سيصدر قبل أن يصدر. عملت قيادة الجيش الترتيبات واستدعت الإحتياط ووضعت مخطّط عمليات وعمّمت قرار الإشتباك مع العدو استباقاً لقرار الإنتشار. كانت السلطة السياسية حائرة بين ما إذا كان الجيش «قادر أو مش قادر» ينتشر. التأكيد أعطاه قائد الجيش للسفير البريطاني جيمس واط الذي جاءه مستفسراً. وبعد الإنتشار رفع العلم اللبناني في اللبونة في المكان الذي خدم فيه على الحدود عام 1970.

 

هل كان هناك تخوُّف من حصول إشكالات مع «حزب الله» بسبب هذا الإنتشار خصوصاً أنّه كان ضد نزع سلاحه في جنوب الليطاني كما نص القرار 1701؟ بحسب هذه الأوساط، كان «الحزب» يريد القرار 1701. وفي الوقت نفسه كان يريد أن يحتفظ بسلاحه في جنوب خط الليطاني. كان هذا الأمر سبباً لنقاش حصل في مجلس الوزراء وللتوضيحات التي طلبتها قيادة الجيش حول الأوامر التي يجب أن تعطى: إذا أظهر «حزب الله» السلاح ماذا نفعل؟ إذا حضرت قوات «اليونيفيل» إلى مكان معيّن وقالت إنّها وجدت سلاحاً فيه كيف يتصرّف؟

 

نتيجة ذلك أتت التوضيحات في النهاية من الأمم المتحدة بأنّه ممنوع أن يظهر السلاح. طلبت القيادة من الأمم المتحدة إذا كان يمكن إعطاء مهلة 48 ساعة للتفاوض مع «حزب الله» إذا كان يقبل بسحب أسلحته خارج خط الليطاني، ولكن تمّ غضّ النظر عن هذا الموضوع. تمّ الإتفاق على أنّ «الحزب» يمكنه سحب الأسلحة الظاهرة وغير المخفيّة تحت الأرض. هكذا بدأ تنفيذ القرار 1701.

 

رواية لحود

 

في رواية نقلها الزميل داود رمال عن الرئيس إميل لحود في «الأخبار» في 11 آب 2018 يدعو لحود المقاومة إلى البقاء مفتوحة العينين معتبراً أنّ مشروع التآمر عليها لن يتوقّف. ويروي لحود أنّه عندما عُيِّن قائداً للجيش عام 1989، واجه في العام التالي إستحقاق نشر الجيش اللبناني شمالي الليطاني وعيّّن العميد غسان ملحم قائداً للقطاع وسأله: ما هي التعليمات السابقة؟ أجابه: «أي مسلح يدخل الى جنوبي الليطاني لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال نلقي القبض عليه ويوضع في السجن». قال له لحود: «إنهم مقاومون لبنانيون. وعندما يريدون الدخول الى المنطقة المحتلة، عليك مساعدتهم. ولكن أينما وُجِد الجيش، ممنوع أي وجود مسلح»، ومنذ ذلك اليوم بدأت بحسب لحود ثلاثية: «جيش وشعب ومقاومة».

 

يروي لحود عن تموز 2006، كيف دخل في صراع مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة حول دور «حزب الله»، وأنّه قال يومها، منذ اللحظة الأولى «إننا سنربح. وأن ما يحسم المعركة هو إرادة القتال التي لدى «حزب الله» فائض منها ولا يملكها الإسرائيلي. وهذا يساوي الانتصار».

 

يسرد لحود أنّه في بداية إحدى جلسات مجلس الوزراء، غداة مؤتمر روما وطرح النقاط السبع هناك، اقترب منه السنيورة وقال له: هناك استعداد مقابل الموافقة على النقاط السبع، لوقف النار وعدم استمرار الولايات المتحدة وفرنسا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، وعندما بدأ السنيورة قراءة النقاط السبع طلب منه لحود التوقف، وقال له: هذا استسلام لأنّ هدف الحرب نزع سلاح المقاومة، فحاول السنيورة الإيحاء بموافقة الرئيس نبيه بري قائلاً انه زاره قبل الجلسة، والجميع وافق على النقاط، فقال له لحود: «أنا رئيس جمهورية ولا أوافق عليها». وبعد سجال، قرأ السنيورة النقاط، ولاحظ لحود أنّ الجميع يعلم بها باستثناء الوزير محمد فنيش الذي رفضها. حاول السنيورة إمرارها بالتصويت، فمنعه من ذلك…

 

يتوقف لحود عند واقعة عجّلت في صدور القرار 1701 وهي تدمير عدد من الدبابات الإسرائيلية في وادي الحجير. انعقد مجلس الوزراء وصل لحود فوجد قائد الجيش العماد ميشال سليمان وأركانه في الغرفة الكبيرة. قال للسنيورة: «كيف تستدعي قائد الجيش وأنا الذي أستدعيه؟». ردّ السنيورة: «إن القرار سيصدر الثلاثاء مساءً، ويكون التوقيت في نيويورك ليلاً. وحتى لا نعقد اجتماعين، طلبت منه الحضور لشرح خطة الجيش للانتشار»، قال لحود: «يجب أن يدوّن في المحضر أنّه تم استدعاء قائد الجيش بناءً على طلب رئيس الجمهورية حتى لا تُسجّل سابقة». فوافق السنيورة. ويروي لحود أن «العماد سليمان بدأ الشرح، وقال لنا: «استناداً الى تعليمات دولة الرئيس (السنيورة) سندخل ونداهم كل مكان فيه سلاح ونصادره فوراً». قلت له: «إذا بتريد اطلع لبرا»…

 

رواية السنيورة

 

لا تتفق رواية لحود مع رواية سليمان. الرئيس السنيورة كان له ردّ على لحود فنّد فيه الكثير من المغالطات التي أتى على ذكرها ونفى أن يكون لحود نهر العماد سليمان وطلب إليه مع القادة الأمنيين بالخروج وقال: «الحقيقة أنه جرى التمنّي على العماد سليمان والقادة الأمنيين الانتظار برهة في الخارج ريثما ينجز مجلس الوزراء بحثه لبعض الأمور السياسية. بعدها تمّت دعوتهم وجرى الاستماع إليهم بكل احترام على النسق الذي عادة ما يقوم به مجلس الوزراء في الاستماع إلى القادة الأمنيين». واعتبر السنيورة أن تلك الروايات تكذّبها محاضر مجلس الوزراء المدوّنة آنذاك.

 

السنيورة كانت له في أكثر من مناسبة استعادة لمسار الأحداث قبل الوصول إلى القرار 1701. يقول في «النهار» في 11 آب 2007: «في العاشرة من صبيحة 12 تموز 2006، كنت في القصر الجمهوري في بعبدا مجتمعاً بالرئيس إميل لحود. أثناء الاجتماع تلقى الرئيس اتصالاً هاتفياً أُعلِم فيه بأنّ اشتباكاً وقع بين مقاتلي «حزب الله» ودورية إسرائيلية على الحدود الجنوبية قرب بلدة عيتا الشعب، حيث أسر «الحزب» جنديين إسرائيليين. تحادثت مع الرئيس لحود في الأمر، وأبديت قلقي، مستعيداً أخبار ما يحدث في غزة بعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط هناك. شاركني الرئيس القلق، وفي حديثنا عما يجب ويمكن أن نفعله، لم يكن أيّ منّا على بيّنة من حجم العملية، لأنّ الأخبار والمعلومات التي وصلتنا عنها، لم تكن وافية ودقيقة، بعد».

 

أضاف: «أنهيت اللقاء مع رئيس الجمهورية وعدت إلى السرايا الحكومية. فوراً اتصلت بالمعاون السياسي للأمين العام لـ»حزب الله»، الحاج حسين خليل، وطلبت منه أن نلتقي في السرايا. ما القصة؟ أخبِرْني، قلت له حين وصل، فجاوبني بأن «حزب الله» أعلن منذ زمن بعيد عن نيته القيام بعملية أسر جنود إسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى اللبنانيين، واليوم سنحت له الفرصة المؤاتية، فنفذ ما كان وعد به… سألته: «ألا تخشون على لبنان وشعبه من عواقب ذلك؟ ألا ترون ماذا يحدث في غزة؟ فجاوبني بأن لبنان ليس مثل غزة، ولن يفعل الإسرائيليون شيئاً. مَن قال لك إنهم لن يفعلوا شيئاً؟ كررت تساؤلي. لكنّه ظل مصرّاً على موقفه، وأخبرني بأن الجنديين الإسرائيليين الأسيرين صارا خارج منطقة الجنوب».

 

على هذا الأساس اقترح نص البيان الذي سيصدر عن الحكومة وفيه إنّها «لم تكن على علم ولا هي تتحمّل مسؤولية ولا تتبنّى ما جرى ويجري من أحداث على الحدود الدولية، وهي تستنكر وتدين بشدة العدوان الإسرائيلي الذي استهدف ويستهدف المنشآت الحيوية والمدنيين»…

 

يضيف السنيورة أنه منذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب حتى نهايتها كان موقف «حزب الله» ومطلبه وقف إطلاق النار. والحكومة أصرت على وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل الكامل، وعودة النازحين، وعلى أن يتولّى الجيش اللبناني حفظ الأمن في الجنوب في صورة نهائية، عبر بسط سلطة الدولة على أراضيها كاملة، وإيجاد حل لمشكلة مزارع شبعا بانسحاب إسرائيل منها وتطبيق اتفاق الهدنة.

 

ويقول إن النقاط السبع لم تكن قط وليدة الساعات الأولى من الحرب، بل ولدت من استلهام معاناة الشعب اللبناني الطويلة جراء الاعتداءات الإسرائيلية، ومن استلهام مصلحة لبنان العليا والتركيب الدقيق لصيغة لبنان السياسية ومشكلاته وإرادته الوطنية، لانجاز استقلاله الثاني في مواجهة إسرائيل وتبعات حروبها عليه. يروي السنيورة أيضا أنه «بعد مؤتمر روما الدولي المنعقد في 26 تموز 2006 لدعم لبنان، والذي أعلنتُ فيه رسمياً مشروع النقاط السبع الذي وافق عليه الرئيس نبيه بري بحذافيره، شهد مجلس الوزراء نقاشاً حاداً حول هذه النقاط، انتهى بموافقة وزراء «حزب الله» عليها وإقرارها، وقد صرحوا للإعلام في نهاية الجلسة وبعدها في مناسبات عديدة بأنه ليس مسموحاً للحكومة التنازل عن النقاط السبع.

 

لكن ما أن انتهت الحرب وسرى وقف إطلاق النار، حتى بدأ التململ من القرار 1701 الذي كانت الموافقة عليه إجماعية مثل الموافقة على النقاط السبع التي كانت في أساس القرار وأصله».

 

عودة على بدء

 

بعد 17 عاماً يعود الجدال حول القرار 1701 وكأنّ لبنان في لحظة صدوره، ولكن في مرحلة أكثر خطورة، حيث يحاول «الحزب»، الذي كان يريد وقف النار ووافق على النقاط السبع وعلى القرار، أن يُسقط مفاعيل هذا القرار تحت شعار حرب الإشغال التي يخوضها وتُعرِّض لبنان كله لخطر أكبر من خطر حرب تموز 2006. والحرب على قائد الجيش جوزاف عون لا تخرج عن هذا الإطار لأن منطق «الحزب» الذي يريده يطابق ما كان يعلنه الرئيس إميل لحود. وهو لذلك لا يمكن أن يقبل بأي استقلالية يمثلها الجيش وقائده من أجل إلغاء أي دور يمكن أن يُطلب منه القيام به للعودة إلى تطبيق القرار 1701 نصاً وروحاً.