الخوف على لبنان وفيه طبيعي، وإن كان الوضع المشتعل عبر الحدود الجنوبية محكوماً بثلاثة ضوابط: واحد أميركي يردع اسرائيل عن استغلال حرب غزة ومضاعفاتها لشن حرب واسعة على لبنان. وثانٍ إيراني يضبط مساندة «حماس» عبر «وحدة الساحات» بحيث تبقى دون التسبب بحرب إقليمية شاملة لا مصلحة حالياً في اندلاعها. وثالث محلي هو حسابات «حزب الله» بالنسبة الى أوضاع الجبهة الداخلية الصعبة على الناس في كل المناطق وكل الأمور. والشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ»حزب الله» على حق في القول: «لا تنفع معنا، لا التهديدات ولا الإغراءات ولا ربط ما يجري على الحدود بأي إستحقاق داخلي. فمساندة «حماس» واجبة وليست مستحبة لمصلحة لبنان وفلسطين».
ذلك ان «مشاغلة» العدو لمساعدة «حماس» هي نوع من «تكليف شرعي» بالنسبة الى «المقاومة الإسلامية» في لبنان ومجمل «محور المقاومة» بقيادة ايران. وهي قائمة على نوعين من الحسابات: حسابات إيديولوجية، وأخرى واقعية إستراتيجية. ففي الحسابات الإيديولوجية أن عملية «طوفان الأقصى» التي زلزلت اسرائيل وكشفت هشاشتها هي، مع عوامل وأوراق قوة لدى «محور المقاومة»، نقلة في مسار عملي ينتهي بإزالة إسرائيل على مراحل. وفي الحسابات الواقعية الإستراتيجية ان حرب غزة التي تخوضها إسرائيل بوحشية على أساس أنها مسألة «حياة او موت» ليست «خطراً وجودياً» على الجمهورية الإسلامية بل خطر جيوسياسي وإستراتيجي على المشروع الإقليمي الإيراني، وفرصة للخلاص من مرحلة المفاوضات العقيمة على تسوية، و»عسكرة» الصراع مع العدو بما يخدم المشروع الإقليمي.
وضمن هذه الحسابات، فإن الخيار أمام «حزب الله» كان محدداً: لا بد من مساندة «حماس» بفتح الجبهة الجنوبية. فاللامساندة تعني بوضوح خسارة سياسية وفقدان صدقية. والمساندة التي تتجاوز الحدود وتقود الى حرب شاملة من دون ان تكون اللحظة حالياً ملائمة تعني خسارة عسكرية له وللبنان، بصرف النظر عن مدى إيذاء إسرائيل. والبعد الرمزي لفتح الجبهة الجنوبية هو «التأكيد للعالم ان غزة ليست وحدها» حسب «حزب الله». لكن التخوف هو من أن يجد لبنان نفسه وحيداً في زخم الجبهة الجنوبية، وسط العمليات الرمزية في بقية الجبهات. وطبعاً، وسط الواقع الذي عبرت عنه البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة بالقول: «لن تشتبك إيران مع اسرائيل شريطة الا تغامر بمهاجمة الجمهورية الإسلامية ومصالحها ومواطنيها».
ومن الوهم ان نتوقع تطبيق القرار 1701 بكل متدرجاته، ضمن وهم أكبر هو تعديل القرار ليبنى على الباب السابع من الميثاق الدولي. فالكل كان يعرف من الأساس، مجلس الأمن ولبنان و»حزب الله» وإسرائيل، أن التنفيذ سيقتصر على المرحلة الأولى: «وقف الأعمال العدائية». وهذا ما تحقق على مدى 17 عاماً على حرب 2006. اما المادة الثامنة التي تمنع وجود سلاح ومسلحين بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، فإنها عصية على التنفيذ سواء بالتفاوض او بالقوة. وأقصى ما يمكن للحؤول دون حرب شاملة هو العودة الى ما كان عليه الوضع في المرحلة الأولى. وحتى هذا فإنه صعب قبل ان تتوقف حرب غزة، وإن بقي خطر الحرب الشاملة على لبنان خياراً معلناً في تل أبيب. أما ما بقي من لبنان الرسمي المقطوع الرأس، فإنه مستقيل من الواجبات الوطنية وحساباتها.
يقول جمال حمدان في كتاب «شخصية مصر» إن «التاريخ هو لسان الجغرافيا». وضد طبائع الأمور ان يتصرف طرف في لبنان كأنه قادر على جعل الجغرافيا لسان التاريخ.