IMLebanon

بعد اغتيال العاروري… لا آذان مُصغية لهوكشتين في بيروت

 

 

رغم الرد الذي يمكن أن يستجرّه عمل بحجم اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية، لم يجد العدو بدّاً منه مع تضاؤل فرص الحصول على صورة نصر عسكري في غزة. لذلك، بحسب مصادر مطلعة، فإن ما حصلَ «ليس خطأً في الحساب، بل فعل متعمّد ومدروس في توقيته وسياقه، وينطوي على رسائل في أكثر من اتجاه، أمنياً وعسكرياً وسياسياً وديبلوماسياً».شكّل اغتيال العاروري صدمة باعتباره ضربة تحتَ الحزام، لكنه في واقِع الأمر تأكيد على عدم قدرة إسرائيل على التسليم بالوقائع الحالية وتداعياتها المستقبلية، سواء في غزة أو على الجبهة الشمالية. وهو إقرار بأن قادة العدو لم يعُد بإمكانهم القفز فوق حقيقة باتت مسلّمة في المجتمع الإسرائيلي، وهي أن ما حصل بدءاً بعملية «طوفان الأقصى» وتداعياتها ليس فقط فشلاً استخبارياً ينطوي على نتائج سياسية وعسكرية واقتصادية، بل إخفاق استراتيجيي يتهدد وجود الكيان. وعليه، اضطرّت تل أبيب إلى تعديل قواعد الاشتباك، ليسَ طلباً للحرب والمواجهة الشاملة، وإنما لترميم صورة الردع ومحاولة دفع المقاومة الى القبول بالحل الديبلوماسي الذي تسوّقه الولايات المتحدة ومعها دول غربية.

 

واللافِت في عملية الاغتيال تزامنها مع مسارَين أساسيين: الأول، التحضير للانتقال الى المرحلة الثالثة الأقل صرامة من الحرب ضد حماس في غزة، والثاني الحديث عن زيارة سيقوم بها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، عاموس هوكشتين للمنطقة هذا الشهر. ويبدو أن تل أبيب اعتبرت هذا التوقيت فرصة للقول للداخل الإسرائيلي إن المرحلة الثالثة لا تعني وقف الحرب، وإنما استمرار حرب الاستنزاف التي من خلالها يُمكن توجيه ضربات قاسية إلى حماس وقادتها، إن لم يكُن في الداخل ففي الخارج، ما من شأنه امتصاص غضب الجمهور.

 

ولا شك أن العملية، بالنسبة إلى قادة العدو، جسر أساسي لحرف الغضب الشعبي داخل الكيان، عبر استثمار هذا المستجد، لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بقدرة أجهزة العدو على تحقيق عمليات نوعية. لكن الرسالة الموجهة الى حزب الله تأتي في سياق مختلف، وفقَ أكثر من مصدر سياسي اعتبر أن «إسرائيل ليست بحاجة إلى استعراض قدراتها العسكرية والتكنولوجية في وجه الحزب، ولا هي تريد الذهاب الى تفجير المواجهة»، بل على العكس من ذلك، أرادت إسرائيل من هذه العملية بدايةً «إحراج حزب الله من خلال استهداف مسؤولين فلسطينيين حصراً، بحيث إن أيّ رد على العملية سيستجلب ردود فعل لبنانية ضد توريط لبنان، فيما عدم الرد سيستجلب ردوداً مضادة تتهم المقاومة بالتخاذل». وفوقَ ذلك كله، تأتي أهم رسالة وهدف تريد إسرائيل تحقيقه. فباغتيال العاروري في معقل حزب الله، أراد العدو القول إن «طلباته في ما يتعلق بالوضع على الحدود (أي انسحاب حزب الله الى شمالي نهر الليطاني) جدّية جداً، وأنه لن يبقى مردوعاً، وهو انتقم عن ثلاثة أشهر مُني خلالها بنتائج كارثية نتيجة عمليات المقاومة، وجاهز للذهاب أكثر من ذلك»، وبالتالي «يُمكن وضع عملية الاغتيال في سياق الضغط بشأن المسار المتعلق بالمفاوضات التي يعتزم هوكشتين البدء بها».

ورغم أنه لا موعد رسمياً للزيارة حتى الآن، بحسب مصادر سياسية على صلة بالسفارة الأميركية في بيروت، إلا أن كل الترجيحات تحدثت عن حصولها منتصف الشهر، وأُفيد بأن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا أبلغت ذلك الى رئيس مجلس النواب نبيه بري. كما أصبح معلوماً الى حد ما، من المعلومات المسرّبة، أن ما سيحمله معه هو عبارة عن سلّة إجمالية تتضمّن تثبيتاً لملكية لبنان للنقطة «ب 1» الواقعة في خليج الناقورة، على أن تكون منطلقاً لترسيم الحدود البرية، وحلّاً للنقاط الـ 13 المتنازع عليها (نقاط التحفّظ الـ 13 التي سجّلها لبنان رسمياً على ما عُرف بـ«الخطّ الأزرق» الذي حدّدته الأمم المتحدة عام 2000)، وانسحاب «إسرائيل» من الشطر اللبناني لقرية الغجر ومن مزارع شبعا وتسليمها إلى قوات دولية باعتبارها متنازعاً عليها، ما من شأنه أن يؤدي بشكل تلقائي إلى تنفيذ القرار 1701 الذي تطالب به إسرائيل، وتحديداً إقامة منطقة عازلة في منطقة عمليات قوات الطوارئ الدولية جنوبيّ نهر الليطاني.

حزب الله ليس في وارد تقديم أيّ تنازل عمّا حققه حتى الآن من إنجازات رغمَ الضربات الأليمة التي يتعرّض لها المحور

 

ولما كان تحقيق مطلب إبعاد حزب الله الى ما وراء الليطاني شبه مستحيل، رغمَ الضغط الخارجي على لبنان بحجة تجنّب «غضب» إسرائيل ورغبتها في شنّ حرب كبيرة على المقاومة، فإن استهداف العمق اللبناني وتنفيذ عملية الاغتيال تسببا في إفراغ زيارة هوكشتين من مضمونها قبلَ حصولها، وفقَ ما تقول مصادر سياسية بارزة، إذ أكدت أنه «لا آذان مُصغية للموفد الأميركي في بيروت، وتحديداً من الطرف المعني، وهو حزب الله، ولا من القنوات الرسمية المعتادة». فـ«الحزب في غير وارد تقديم أيّ تنازل عما حققه حتى الآن من إنجازات رغمَ الضربات الأليمة التي يتعرض لها المحور، وهي ضربات طبيعية في مرحلة الحرب». وأشارت المصادر إلى أن «لا أحد في بيروت في وارد فتح باب للتفاوض على أي نقطة من النقاط المذكورة ولا أيّ حل سياسي، وأن على من يريد أن يفرض القرار 1701 أن يُلزِم به إسرائيل قبلَ أي أحد آخر»، لافتة الى أن «محور المقاومة يعمل كل يوم على توظيف المتغيّرات التي تشهدها الساحتان الفلسطينية والإسرائيلية لمصلحته، ما يعني أن فرض وقائع في المنطقة الحدودية مع فلسطين المحتلة أمر غير وارد على الإطلاق». واعتبرت المصادر أنه «يجِب التركيز على تداعيات اغتيال العاروري في الأسبوعين المقبلين»، مرجحة أن «يؤدي التصعيد الى تجميد أو إلغاء الزيارة التي – في حال حصولها – لن تكون لها أي مفاعيل».