IMLebanon

هل انتهت خدمات القرار 1701؟

 

على رغم الضغوط، لم تنجح إسرائيل في دفع «حزب الله» إلى إخلاء مواقعه في منطقة الحدود والتراجع شمالاً. لكن «الحزب»، قد يوافق على هذا الأمر، ضمن صفقة ترتيبات تمنحه أثماناً أخرى في المقابل. والتحدّي هو في ابتكار الصيغة التي ترضي «الحزب»، ويعتبرها مناسبة ليتخلّى عن مواقعه الحالية في منطقة الحدود.

يعتقد البعض أنّ حرب غزة قطعت الطريق على ترتيبات كانت قيد التحقيق على الحدود بين لبنان وإسرائيل. فقبل أسابيع من عملية «طوفان الأقصى»، أعلن عاموس هوكشتاين قرب انطلاق المفاوضات لترسيم الحدود البرية. وبدت إسرائيل و»حزب الله» على استعداد لإبرام الصفقة، برعاية أميركية، على غرار صفقة الترسيم البحرية في العام 2022.

 

المعلومات التي رشحت حينذاك أفادت أنّ هناك شبه اتفاق على حلحلة النقاط الحدودية الـ13 موضع الخلاف، على أن يُرجَأ البتّ في خط الحدود عند مزارع شبعا، لأنّ الأمر هناك يعني سوريا أيضاً.

 

في فترة التحضير للمفاوضات التي كان متوقعاً انطلاقها، لم يتحدث الإسرائيليون عن أزمة مع «حزب الله» على خلفية خرقه القرار 1701 وتجاوزه خط الليطاني وتثبيت نقاط له في محاذاة الحدود. وفي الأساس، «الحزب» هو الذي يتهم إسرائيل بانتهاك ذلك القرار بطلعاتها الجوية المتكررة فوق لبنان، وباعتداءاتها أحياناً.

 

حتى لحظة حصول عملية «طوفان الأقصى»، لم يكن الإسرائيليون ينظرون بقلق كبير إلى تقدُّم عناصر «حزب الله» في اتجاه الخط الأزرق. فالهدوء شبه التام الذي ساد تلك المنطقة طوال 18 عاماً، أي منذ صدور القرار 1701، شكّل تجربة جيدة. وخلالها، أدرك الإسرائيليون نجاح رهانهم على «الحزب» في ضبط أمن المنطقة الحدودية مع لبنان، تماماً كما نجح رهانهم على حكم الرئيس بشّار الأسد لضمان أمن الحدود في الجولان على مدى عقود.

 

بعد 7 تشرين الأول 2023، حصل تغييران في مقاربة الإسرائيليين للملف الحدودي:

 

1- أدركوا أنّ الخطر الكامن في المقلب الآخر من الحدود يمكن أن يتحرّك فجأة، وأنّ تنظيماً مسلحاً كـ«حماس» قد يستفيق ويسدّد ضربته في أي لحظة. واستنتجوا أنّ هذا الخطر يجب التخلص منه مسبقاً.

 

2- أدركوا أنّ حلفاء طهران الذين يحوطون إسرائيل من الشمال والجنوب يتحركون عملياً كفريق واحد، وأنّ سلاح أي منهم هو سلاح الآخرين أيضاً، وأنّ الحرب مع أحدهم، أي «حماس»، تعني الحرب مع الآخرين أيضاً، أي «حزب الله»، والعكس صحيح.

 

لذلك، بعد عملية «طوفان الأقصى» رفع الإسرائيليون سقف مطالبهم. وما يريده بنيامين نتنياهو اليوم يفوق بأضعاف ما كان يريده قبل 9 أشهر. والمنطق الذي باتت تتبعه إسرائيل هو: لن نقبل بوجود «حماس» في غزة، أياً كان الثمن، لأنّ ما فعلته سيتكرّر في أي لحظة، ولو بعد سنوات أو عقود. وأما في الجنوب اللبناني فبات الإسرائيليون يطالبون بضمانات أمنية أكثر تشدّداً.

 

الطرح الإسرائيلي الأساسي في الجنوب هو تطبيق القرار 1701. ففي تقديرهم أنّ تراجُع مقاتلي «الحزب» وصواريخه إلى ما بعد خط الليطاني كافٍ لضمان الهدف. لكن «الحزب» رفض تقديم هذا التنازل مجاناً، كما رفض وقف الحرب في الجنوب فيما هي مستمرة في غزة. وتسهيلاً للتسوية، طرح هوكشتاين تقليص المسافة التي سيخليها «الحزب» إلى بضعة كيلومترات (ما بين 7 و10)، لكن الحزب بقي عند موقفه للضرورات إياها. وتردّد أنّ هوكشتاين توقف عن طرح الأفكار الجديدة في الجولة الأخيرة، واكتفى بمطالبة «الحزب» بالتزام قواعد الاشتباك التي سادت في بدايات حرب غزة، أي حصر إطار الحرب ضمن البقعة الحدودية لا أكثر، على أن ينصّب الاهتمام على وقف الحرب في غزة، باعتباره مفتاح التسوية مع لبنان أيضاً.

 

حتى ذلك الحين، ثمة من يتحدث عن رهان «حزب الله» على تعب الإسرائيليين على الجبهة مع لبنان. وهذا التعب سيدفعهم تدريجاً إلى خفض سقف شروطهم أكثر فأكثر، فيتخلّون عن فكرة المنطقة العازلة أو الضامنة، ويقبلون بالأمر الواقع، أي بحرّية حركة «الحزب» في المنطقة الحدودية، مقابل ضمانات بحفظ الأمن على حدودهم وفي مناطقهم الشمالية، كما كان الوضع في الأعوام الـ18 الفائتة. وهذا الأمر ليس صعب التحقيق، ولكن بعد أن تنتهي الحرب في غزة. وحتى ذلك الحين، سيكون لكل حادث حديث.