جرى أخيراً التداول بمسودة مشروع قرار أميركي- فرنسي جديد سُمي بالقرار “1701 بلاس”، تمّ توزيع نسخ عنها الى الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لدراستها. وتتضمّن هذه المسودة في بنودها الـ 14 “حلّاً ديبلوماسياً للصراع الدائر اليوم عند الحدود الجنوبية”، من وجهة النظر الأميركية – الفرنسية. وهي محاولة “بائسة” لتعديل القرار 1701، لا بل لنسف معظم بنوده التي تصبّ في مصلحة وحقوق لبنان. وكان المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين خلال أحاديثه الأخيرة للإعلام اللبناني استخدم عبارة “1701 بلاس”، أو 1701 وأكثر، في تلميح من قبله الى المسودة التي صاغها الأميركي والفرنسي لإنهاء الصراع في لبنان. في الوقت الذي يتمسّك فيه لبنان الرسمي بتطبيق القرار 1701 بكامل بنوده الـ 19 ومندرجاته. ولا يبدو أنّ “الإسرائيلي” مع أي حلّ ديبلوماسي في المنطقة، سيما أنّه يواصل عدوانه على لبنان وغزّة، بعد كلّ ما قام به من تصفية قادة المقاومة.
وتجد مصادر سياسية متابعة أنّ مسودة المشروع تضمّنت بنوداً عديدة “فضفاضة” يمكن أن يستفيد منها “الإسرائيلي” الذي لا يلتزم عادة بتطبيق أي من القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ليحوّرها لاحقاً لمصلحته. فالبند الخامس الذي ينصّ على “دعوة المجتمع الدولي الى اتخاذ خطوات فورية لمدّ يد المساعدة المالية والإنسانية الى الشعب اللبناني، بما في ذلك تسهيل العودة الآمنة والمتدرّجة للنازحين”، يُهم منه أنّ عبارة “متدرّجة” المطّاطة، تُناقض مبدأ العودة الفورية للنازحين اللبنانيين الى منازلهم وقراهم، على غرار ما حصل فور اتخاذ القرار 1701 في العام 2006، ودعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سكّان الجنوب آنذاك الى العودة الى بلداتهم.
كذلك فإنّ مطالبة المسودة بتطبيق القرارات الدولية السابقة 1559، و1680، و1701، على ما أضافت، يعني نزع سلاح الميليشيات غير الشرعية، على ما يرد في هذه الأخيرة، أي سلاح حزب الله من وجهة نظر الدول التي صاغت نصّ هذا المشروع. وهو أمر ينسف القرار 1701، ويُعيد إحياء ما ينصّ عليه القرارين 1559 و1680. كما يفرض إعادة تكوين السلطة اللبنانية بحسب إرادة المجتمع الدولي، وليس وفق إرادة الشعب اللبناني على ما ينص عليه القانون اللبناني. فضلاً عن “فرض” إجراء إنتخابات نيابية حرّة ونزيهة خلال 60 يوماً (من تاريخ إصدار القرار الأممي الجديد)، أي إجراء انتخابات نيابية مبكرة رغم أنّ صلاحية المجلس الحالي تنتهي في أيّار من العام 2026، ومن ثمّ تشكيل حكومة من الحياديين (أي من المستقلّين أو “التكنوقراط”)، وليس من الأحزاب السياسية.
صحيح أنّ مشروع القرار يعترف بـ “استقلال لبنان السياسي ضمن الحدود الدولية المعترف بها، كما هو منصوص عليه من اتفاقية الهدنة الإسرائيلية- اللبنانية بتاريخ 23 آذار 1949” (البند 4)، على ما أشارت المصادر نفسها، إلّا أنّه لا يُطالب “الإسرائيلي” بسحب قوّاته من الأراضي اللبنانية المحتلّة تبعاً لهذه الحدود المعترف بها دولياً، إنّما يكتفي بالإشارة الى “تأكيد الدعم القوي لاحترام الوضع على الخط الأزرق بشكل كامل وعدم حصول أي تجاوزات” (البند 3). علماً بأنّ “الخط الأزرق” ليس خط الحدود اللبنانية، إنّما هو خط الإنسحاب، ولا بدّ للقوّات “الإسرائيلية” من استكمال تنفيذ انسحابها من الأراضي اللبنانية.
وإذ يُشدّد بالتالي على “تأكيد وضع المطارات والمرافىء تحت سلطة الحكومة اللبنانية، ولأهداف مدنية بحتة قابلة للتحقّق” (البند 5). كما على “أهمية بسط سيطرة الحكومة اللبنانية على جميع الأراضي اللبنانية بما يتطابق مع بنود القرار 1559 (2004)، والقرار 1680 (2006)، والبنود المرتبطة بذلك في اتفاق الطائف، وممارسة كامل سيادتها وسلطتها” (البند 6). فكلّ هذا يعني ضمناً تأمين أمن “إسرائيل” بالدرجة الأولى، لتتمكّن من إعادة المستوطنين الى المستوطنات الشمالية من دون أن يكون هناك اي تهديد لسكنهم فيها. في حين بدأت “إسرائيل” تتحدّث عن رفضها عودة سكّان الجنوب الى قراهم.
أما البند السابع من مشروع القرار الذي يدعو لبنان و “إسرائيل” الى دعم وقف نار دائم، والى حلّ بعيد المدى على أساس مبادىء وعناصر عديدة بما فيها: الاحترام الصارم من جميع الأطراف لسيادة وسلامة أراضي “إسرائيل” ولبنان، وللخط الأزرق من قبل الطرفين، وترسيم الحدود الدولية للبنان، ووضع ترتيبات أمنية تمنع استئناف الأعمال العدائية، بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أي عناصر مسلحة وعتاد وأسلحة لأي كان، وخصوصاً حزب الله، سوى تلك العائدة إلى القوات المسلحة اللبنانية وللقوات الدولية الخ”… فهو يُبقي الصراع القائم اليوم بين حزب الله و “إسرائيل” مُعلّقاً، وفق المصادر عينها، كونه لا يحلّ قضية الأراضي اللبنانية المحتلة لا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر، ولا النقاط الـ 13 المتحفّظ عنها. كما لا يعترف بالحدود اللبنانية الدولية القائمة، إنّما يشير اليها فقط. ولهذا يتحدّث عن ترسيم الحدود الدولية للبنان من دون أن يطالب القوّات “الإسرائيلية” بالانسحاب من الأراضي المحتلّة. ولا يطالب “إسرائيل” بالتالي بوقف طلعاتها الجويّة فوق الأراضي اللبنانية، إنّما فقط باحترام سيادة لبنان وسلامة أراضيه. وهو أمر لا يلتزم به “الإسرائيلي”، والدليل خرقه للسيادة اللبنانية برّاً وبحراً وجوّاً وللقرار 1701 أكثر من 35 ألف مرّة طوال السنوات الماضية.
وإذ يُطالب البند 7 كذلك بـ “نزع سلاح جميع المجموعات المسلّحة في لبنان، خصوصاً حزب الله، كيلا يكون هناك أي أسلحة أو سلطة لأي كان سوى للدولة اللبنانية”. كما بنشر قوة دولية في لبنان تتمشى مع البند 11 من القرار، وبفرض حظر دولي على بيع أو توفير الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى لبنان، إلا بموافقة حكومته ومجلس الأمن”، لا يطالب “إسرائيل” في المقابل بأي شيء على صعيد أسلحتها واستخدامها لها. كما ينصّ على نشر قوّة دولية، وكأنّ “اليونيفيل” غير موجودة في الجنوب اليوم. الأمر الذي يُلبّي طلب “الإسرائيلي” اليوم من هذه القوّأت بإخلاء مواقعها، كونه لا يريدها في المنطقة الجنوبية لأنّها تنقل الحقيقة التي تحصل فيها، وتتحدّث عن التعديات “الإسرائيلية” على لبنان. في حين أنّ ما ينص عليه أيضاً من “إزالة القوّات الأجنبية الموجودة في لبنان، من دون موافقة حكومة لبنان ومجلس الأمن، لا سيما تشكيلات الحرس الثوري الإيراني”، فأمر يتعلّق بالعلاقة اللبنانية – الإيرانية، الأمر الذي لا يمكن للمجتمع الدولي أو أميركا أو “إسرائيل” التدخّل به. في حين أن نقطة “توفير ما تبقّى بحوزة “إسرائيل” من خرائط الألغام الأرضية في لبنان”، فليست سوى من باب ذرّ الرماد في العيون، للقول انّ القرار طلب شيئاً من “إسرائيل”.
أمّا البند 11، فتعتبره المصادر قمّة الاستيلاء “الأميركي- الإسرائيلي” على لبنان، من خلال فرض وصاية علنية على هذا البلد، من خلال ما ينصّ عليه المشروع من أنّ موافقة حكومتي لبنان و “إسرائيل” من حيث المبدأ على مبادىء وعناصر الحلّ البعيد المدى، على ما ورد في البند 7، تجعل مجلس الأمن يأذن – في قرار لاحق يتبنّاه بموجب الفصل السابع من الميثاق- بنشر قوّة دوليّة مفوّضة من الأمم المتحدة لدعم القوّات المسلّحة والحكومة اللبنانية في إقامة بيئة آمنة والمساهمة في تطبيق وقف نار دائم وحلّ بعيد المدى. وهذه قمّة الوقاحة، إذ يُطالب لبنان بأن يوافق على فرض “الوصاية” عليه، وإحلال السلام فيه بالقوّة العسكرية من خلال استخدام قوّة دولية، قد تدخل فيها قوّات أميركية و”إسرائيلية”، تُنفّذ ما يُناسب مصالحها على الأرض. في حين يحصر المشروع وجود “اليونيفيل” إذ لم يتجرّأ على الطلب منها مغادرة لبنان، على ما يقوم “الإسرائيلي” حالياً على أرض الواقع، على أن تتولّى أميركا و “إسرائيل” القيام بهذا الأمر لاحقاً لدى التمديد لمهام قوّات الطوارىء الدولية في أواخر آب 2025، يحصره بالطلب منها “بمجرّد وقف الأعمال العدائية، مراقبة تنفيذه وتقديم المساعدة اللازمة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المدنيين، وعودة آمنة ومتدرجة للنازحين” (البند 12).
وأكّدت المصادر السياسية أنّ غالبية البنود التي تنصّ عليها مسودة مشروع القرار “1701 بلاس”، والذي يبدو واضحاً أنّه ينسف القرار 1701 ويحلّ مكانه رغم أنّ لبنان الرسمي يطالب بتنفيذ هذا الأخير ويرفض أي قرار أممي آخر ينهي الصراع مع “إسرائيل” باستخدام الفصل السابع (أي عنوة)، يعطي العدو صلاحية التصرّف في المنطقة الجنوبية كما يحلو له. وتجد أنّ هذا القرار يصبّ بالتالي في مصلحة “إسرائيل” أولاً وأخيراً، وهو ما تسعى أميركا الى تأمينه من خلال إصداره، وليس في مصلحة لبنان لا من قريب ولا من بعيد. لهذا من الصعب أن توافق عليه حكومة تصريف الأعمال الحالية التي تريد إحلال وقف إطلاق النار في لبنان، ولكن ليس إحلال “وصاية” جديدة عليه من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو “إسرائيل”.