صار قرار مجلس الأمن الدولي الرقم ١٧٠١ الصادر عام ٢٠٠٦ محط اهتمام إعلامي، لبناني وعربي وأجنبي، حتى أنّه يندر أن يصدر موقف عن سياسي لبناني، رسمي أم غير رسمي، في هذه الأيام، إلّا ويتطرق فيه إلى بنود ومندرجات هذا القرار، شرحاً وتفسيراً!
غير أن بعض من يتحدثون عن القرار ١٧٠١، يجعلون المتلقّي يستنتج كأن القرار ينص فقط على انسحاب حزب لله شمال نهر الليطاني، وهم بذلك إنما يوحون بأن المشكلة تكمن في رفض حزب لله تنفيذ القرار وتحكّمه بالقرار الحكومي وبالتالي بقرار الحرب والسلم، ويغيب عن بال هؤلاء أنّ إسرائيل رفضت تنفيذ بنود وفقرات أساسية تضمنها القرار ١٧٠١. أيُّ قرار يصدر عن مجلس الأمن أو عن أي هيئة دولية أخرى يُؤخذ كلاً متكاملاً ولا يجوز الإجتزاء منه أو اختيار ما يحلو منه لهذا الطرف أو ذاك. فما هي حقيقة القرار ١٧٠١؟ أولاً؛ منطقة جنوب الليطاني: يكثر الحديث عن فقرة تطلب انسحاب حزب لله إلى شمال الليطاني والبعض يعتبر أن هذه هي المشكلة وهذا هو الحل. فماذا تتضمن الفقرة الثانية من البند ٨ من القرار ١٧٠١: «اتخاذ ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال القتالية بما في ذلك إنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني خالية من أفراد مسلحين أو معدّات أو أسلحة بخلاف ما يخص حكومة لبنان وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان». منذ صدور هذا القرار لم تشهد هذه المنطقة ظهوراً مسلحاً ولا نشاطات مسلحة وكان حزب لله يتمركز في أماكن مخفية وكان الجيش اللبناني يقوم بأعمال حفظ الأمن بالتنسيق والتعاون مع القوة الدولية (اليونيفيل). وكانت المقاومة تستند دستورياً على فقرات في البيانات الوزارية التي نالت على أساسها الحكومات المتعاقبة ثقة المجالس النيابية المتعاقبة. لا يقتنع كثيرون أن حزب لله التزم بهذا النص أو أن الحكومة التزمت به أيضاً. ثانياً؛ اتفاقية الهدنة:
أكد القرار ١٧٠١ في بنده الخامس على تأييده الشديد لسلامة أراضي لبنان وحدوده المعترف بها وفقاً لاتفاق الهدنة.. وهذا نص البند المذكور: «يعيد (مجلس الأمن) أيضاً تأكيده الشديد، حسب ما أشار إليه في جميع قراراته السابقة ذات الصلة، لسلامة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي داخل حدوده المعترف بها دولياً، حسب الوارد في اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان المؤرخ في ٢٣ آذار/مارس ١٩٤٩». ماذا يعني هذا البند؟ بما أنه ينص صراحة على حدود لبنان وفقاً لاتفاقية الهدنة، فإنه يعني انسحاب إسرائيل من الأراضي التي ما تزال تحتلّها في لبنان شمال خط الهدنة وهي ما تعرف بـ١٣ نقطة متحفظ عليها بالإضافة إلى القسم الشمالي من بلدة الغجر المحتلة أو ما يعرف بخراج بلدة الماري اللبنانية. إلّا أن إسرائيل رفضت الانسحاب، وهذا يعني رفض تنفيذ أحد بنود القرار ١٧٠١. وبما أنه ينص أيضاً على التأكيد على سيادة لبنان، فإن خرق سيادة لبنان من خلال خرق الأجواء اللبنانية والمياه الإقليمية اللبنانية هو مخالفة واضحة للقرار، وبالتالي تكون إسرائيل قد رفضت وقف خروقاتها الجوية والبحرية للأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية، وهذا يعني رفض تنفيذ بند من بنود القرار ١٧٠١ ثالثاً؛ مزارع شبعا: نص البند ١٠ من القرار ١٧٠١على معالجة وضع مزارع شبعا: «يُطلب إلى الأمين العام (للأمم المتحدة) أن يضع، من خلال الاتصال بالعناصر الفاعلة الرئيسية الدولية والأطراف المعنية، مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، والقرارين ١٥٥٩ و١٦٨٠ بما في ذلك نزع السلاح وترسيم الحدود الدولية للبنان بما فيها مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة بما في ذلك معالجة مسألة منطقة مزارع شبعا، وعرض تلك المقترحات على مجلس الأمن في غضون ثلاثين يوماً». لعل هذا البند هو الأهم في القرار ١٧٠١ لأنه يتناول أساس النزاع، أي مسألة مزارع شبعا والتي عندما تجد الأمم المتحدة حلاً لها تنزع فتيلاً كبيراً يُمكن أن يُفجّر الوضع من جديد. طبعاً انقضت مهلة الثلاثين يوماً ومن بعدها 18 عاماً ولم يعرض الأمين العام للأمم المتحدة أية مقترحات على مجلس الأمن لإعادة مزارع شبعا إلى لبنان، فالدولة العبرية ترفض تنفيذ بندين من القرار أولهما الإنسحاب إلى الحدود الدولية المحددة في اتفاقية الهدنة وثانيهما عدم احترام سيادة لبنان بالخرق المتكرر لأجوائه ومياهه الإقليمية.. وطبعاً هناك بند ثالث تشارك إسرائيل الأمم المتحدة ومن سمّاها القرار «العناصر الفاعلة الرئيسية الدولية» في عدم تنفيذه. المنطق يقول إنه عندما نتحدث عن القرار ١٧٠١ فهذا لا يعني حزب لله فقط كما يُروّج بعض الإعلام بل يجب أن يشمل الحديث كل القرار وخصوصاً ما ترفض إسرائيل تنفيذه. منذ صدور القرار عام ٢٠٠٦ يطالب كلٌ من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي ورئيس الوزراء والحكومات المتعاقبة بتطبيق القرار ١٧٠١. وفي المقابل، كانت إسرائيل ترفض تنفيذ بنود أساسية تضمنها هذا القرار وما صدر في الآونة الأخيرة عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط والقمة الروحية الإسلامية – المسيحية، إنما يؤكد على الإرادة اللبنانية بتنفيذ كامل القرار ١٧٠١.
* عميد ركن متقاعد