IMLebanon

آلية 1701: تفاهم تكرّسه لجنة الناقورة

 

 

تنتظر بيروت من الموفد الاميركي الخاص عاموس هوكشتين جواب اسرائيل عن الموقف الرسمي اللبناني من تطبيق القرار 1701 ببنوده كاملة، والآلية المقترح ادخالها اليه في ضوء ما ترتب على الحرب الحالية بين الدولة العبرية وحزب الله. من غير الواضح عودة هوكشتين مجدداً بعدما زار لبنان الاثنين الفائت، مناقشاً الرئيسين نبيه برّي ونجيب ميقاتي في ما يقتضي ان تتضمّنه الآلية الجديدة.

من المرات القليلة لقرار يصدره مجلس الامن ان يصير الى تطبيقه وانتهاكه في الوقت نفسه، ثم الى تعليقه، فالى التشكيك فيه، ومن ثم الخوض في اجراءاته المعتمدة لتعديلها واعادة تطبيقه. ما يشهده القرار 1701 غير مسبوق في سلسلة قرارات شهيرة خبرها لبنان من قبل، معني بها مباشرة وعاشت سنوات طويلة: لا القرار 425 طُبّق، ولا القرار 520، ولا من بعدهما القرار 1559.

على طرف نقيض من القرارات الثلاثة هذه، طُبّق القرار 1701 خلال اسابيع من اصداره في 11 آب 2006. انسحبت اسرائيل من الاراضي اللبنانية المحتلة، وتراجع حزب الله الى شمال نهر الليطاني كي ينتشر الجيش اللبناني في البقعة المؤدية حتى الخط الازرق. صمد حتى 8 تشرين الاول 2023 غداة اندلاع «طوفان الاقصى» بأن انخرط حزب الله في حرب إسناد وإشغال للجيش الاسرائيلي عن غزة، فعُدَّ مسؤولاً عن تعليق تطبيقه على وفرة آلاف الخروقات الاسرائيلية الموثقة طوال قرابة 18 عاماً. منذ 23 ايلول المنصرم، بإشهار اسرائيل حربها على حزب الله، اضحى القرار في حُكم الملغى واقعياً فيما هو قائم كمستند اممي رسمي.

مع تفاقم الحرب حظيت المطالبة باعادة تطبيقه بما يشبه الاجماع: لبنان واسرائيل والولايات المتحدة والامم المتحدة، الى المجتمع الدولي المهتم باستقرار المنطقة. مع ذلك، لكل من هؤلاء وجهة نظر خاصة في تطبيقه. باتت العلة في آليته بعدما تيقّن الافرقاء المباشرون وغير المباشرين من استعصاء اصدار قرار جديد في مجلس الامن يحظى باجماع اعضائه عليه كما عام 2006، وصعوبة تعديله اضافة او نقصاناً.

كل ما يدور من حول العودة الى تطبيق القرار 1701 بات اخيراً يقتصر على سبل ايجاد الآلية الجديدة، مع انه تضمّن في الاصل آلية عمله المكلف اياها الجيش اللبناني والقوة الدولية في الجنوب، محدّداً الهدف المنوط بالآلية هذه، وهو بسط سيادة الدولة اللبنانية على كل اراضيها ومنع اي وجود مسلح غير شرعي. في السجال الدائر بين اسرائيل والحكومة اللبنانية وحزب الله، كلٍ على حدة، ان الطرف الآخر ينتهكه. في نهاية المطاف اضحى القرار منذ 23 ايلول عديم الوجود ما ان اصبحت الحرب بين اسرائيل وحزب الله وجهاً لوجه، وتالياً وحده القرار 1701 يعيد الأمن والاستقرار الى الخط الازرق بين البلدين.

في بعض الملاحظات الجاري مناقشتها في تحديد الآلية الجديدة المفترض ادخالها الى الصيغة القديمة النافذة لقرار مجلس الامن:

1 ـ مع ان آلية القرار تقصر مسؤولية تطبيقه على مرجعيتين عسكريتين هما الجيش اللبناني والقوة الدولية، الا ان المرجعية الفعلية المعنية بتنفيذه هي الدولة اللبنانية ممثلة بالجيش، على ان تساعده القوات الدولية على بسط سلطة الدولة اللبنانية على كل اراضيها ومنع اي وجود مسلح في منطقة عمليات القرار 1701. وهو ما تنص عليه الفقرة الثالثة، وتعيد الفقرة الثامنة تأكيده مع تحديدها الآلية المفضية الى بسط سلطة الدولة ومنع اي وجود مسلح لغير قواها. كلتا الفقرتين تؤكدان على القرارين 1559 و1680 في معرض تمدّد السلطة الشرعية اللبنانية، في مرحلة تالية لكن بأهمية موازية، الى سائر الاراضي اللبنانية.

2 ـ على مرّ السنوات المنقضية في عمر القرار، أولي الاهتمام العلني بالقوة الدولية على حساب الجيش من فرط الكلام عن قلة عديده وضعف عتاده وقدراته مع انه نشر في آب 2006 – ما ان بوشر تطبيق القرار – 15 الف عسكري جنوب نهر الليطاني وفق المعهود اليه فيه. في السنوات الاخيرة منذ عام 2019، بسبب فوضى الداخل وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية والتظاهرات والاضطرابات وبعض التسيّب، أفرغ الجيش الجنوب من ثلثي عديده لنشره في المحافظات الاخرى لا سيما منها البقاع والشمال كي يقتصر على خمسة آلاف فقط في الجنوب. من جراء الحجّة المساقة تلك، بدا ان القوة الدولية صاحبة الاختصاص والدور في تنفيذ قرار مجلس الامن يساندها الجيش، خلافاً لما نصّ عليه القرار.

 

الحل الديبلوماسي ينتظر حقائق عسكرية صادمة تريد اسرائيل وحزب الله فرضها

 

في احاديثه الاخيرة الاسبوع المنصرم بعد مغادرة هوكشتاين، قال بري امام زواره اكثر من مرة ان الآلية المفترض انها جديدة للقرار، لا يتولى تنفيذها الا الجيش، معيداً الاعتبار الى مسؤوليته المباشرة عن تطبيقه. ما رمى اليه هو وضع الحصان امام العربة لا العكس: الجيش صاحب الدور الرئيسي تؤازره القوة الدولية.

3 ـ لا شك في ان الآلية الجديدة الجاري الحديث عنها تتطلب مظلة سياسية تضمن تفاهم الطرفيْن الرئيسيين المعنيين، لبنان واسرائيل. الا انهما يحتاجان الى وسيط يدير هذا التفاهم، في احسن الاحوال يقترحه عليهما كي تنبثق تسوية سياسية وان مقتصرة على قرار مجلس الامن، تعيد الاستقرار الى الخط الازرق والى ما وراء جانبيْ هذا الخط. المعتاد في الحروب الاسرائيلية – اللبنانية منذ عام 1978 ان يتحمّل الجنوب اللبناني وحده اعباءها وكلفتها بتدمير قراه وتهجير ابنائه. ما حدث اخيراً ويتفاقم حدوثه للمرة الاولى في تاريخ دولة اسرائيل ان تجد قراها وبلداتها ومستوطناتها مستهدفة بالتدمير والتهجير.

4 ـ المكان الوحيد لتكريس الآلية الجديدة المقترحة هو اللجنة الثلاثية اللبنانية – الاسرائيلية – الاممية (Tripartite Mechanism). نشأت عام 2006 في مرحلة لاحقة لمباشرة تطبيق القرار 1701 بمبادرة من قائد القوة الدولية على ان مهمتها مقصورة على القرار وحده. لا قرار بها من مجلس الامن، ولا توصية، ولا وثيقة تنص عليها وتحدد صلاحياتها، ولا اشارة اليها في متن القرار. دورها المحدّد هو خفض التوتر بين جانبيْ الخط الازرق، والحؤول دون اي تصعيد ومعالجة الاشكالات والحوادث التي تقع عبر الحدود بجلوس ثلاثة ضباط سمثلون لبنان واسرائيل والامم المتحدة لتذليلها. هي بذلك لجنة تقنية تحتاج الى غطاء سياسي ناجم عن تفاهم بين دولتيْ طرفيْ الحدود.

هي المهمة المعهود بها في الوقت الحاضر الى هوكشتين بتحركه بين لبنان واسرائيل، توصلاً الى الحصول على اتفاق الدولتين العدوتين على اعادة الامن الى حدودهما. من ثم تكرّس اللجنة الثلاثية الاتفاق في آلية محدثة لتطبيق القرار 1701. في الغالب اعتادت قرارات مجلس الامن لدى تمديده الانتداب الدوري للقوة الدولية في جنوب لبنان على الاشادة بدور اللجنة الثلاثية والترحيب بتسهيلها خفض التوتر، والاعتراف بجهودها لتثبيت الاستقرار في بقعة عملياتها والدعوة الى تعزيز قدراتها مع اوسع تنسيق.

مع ذلك كله، لم يحن أوان الاقتراب كثيراً من الحل الديبلوماسي في ظل تفاقم التصعيد، وسعي كل من اسرائيل وحزب الله، يوماً بعد آخر، الى فرض حقائق عسكرية جديدة صادمة قبل الجلوس الى طاولة القرار 1701.